12 ـ معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ "ولكن توهمت طائفة أن للحسن والقبح معنى غير هذا ... ، وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به الشرع من الحسن والقبح يخرج عن هذا ... "

أقول: للناس نزاع في أن حسن الأشياء وقبحها عقليان؟ أم شرعيان؟

فطائفة ظنت أن القبح والحسن لا يعلمان إلا بالعقل، وطائفة ظنت أن القبح والحسن لا يعلمان إلا بالشرع.

وكلتا هاتين الطائفتين على غلط.

فأراد شيخ الإسلام أن يبين غلطهما ويبين الحق وهو القول الوسط.

وهو أن حسن الأشياء بمعنى كونها ملائمة للفاعل، وقبحها بمعنى كونها غير ملائمة للفاعل بل منفردة.

أو كون الأشياء مما يحبه الفاعل أو يكرهه، أو يتلذذ بها أو يتأذى بها.

فهذا لا شك يعلم تارة بالعقل، كعلمه بأن الطعام يشبع والماء يروي، وتارة يعلم بالشرع، وتارة يعلم بهما جميعاً.

ولكن تفاصيل الحسن وتفاصيل القبح، وأن هذا يحبه الله وذاك يبغضه الله ونحو ذلك؛ لا يعلم إلا بالشرع فقط.

كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] .

وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50] .

فدل ذلك على أن تفاصيل حسن الأمور وقبحها لا يعلم إلا بالوحي الذي هو مبنى الشرع، والعقل لا يدرك تفاصيل هذه الأمور، فحسن الأشياء وقبحها مركوز في الفطرة، والعقل مدرك إجمالاً، والشرع مزكٍّ ومرشد بالتفصيل ومبصر ومكمل1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015