وأما الحكم الوضعي فهو: الأسباب، والشروط، والموانع، والصحة، والفساد، والأداء، والقضاء، والإعادة. كلُّ هذه أحكام وضعية، فَرِّقْ بين النوعين، لأن الحكم الشرعي التكليفي مطالب به المكلف، يعني: إيجاده، وأما الحكم الوضعي في الجملة لا يطالبُ به المكلف، إذًا ما يلزم من عدم ذلك الوصف أو الشيء العدمُ، ولا يلزم من وجوده وجود إذا عُدم انعدم المشروط، فإذا قلنا الطهارة مثلاً شرط في صحة الصلاة، يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، لماذا؟ لأن انتفاء الشرط هنا وهو الطهارة مُؤْذِنٌ بانتفاء المشروط فيه وهو الصلاة، هذا معنى أن الشرع رتب هذا على ذاك، رتب هذا الثاني وهو الانتفاء المشروط فيه لانتفاء الشرط، ولذلك ذكرنا فيما سبق أنه لا يحكم بالشرطية إلا بدليلٍ أخص من مطلق الوجوب، فليس كل نص دل على الوجوب نستدل به على الشرطية إلا من جهة أخرى فيها نزاع، وهي: أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، وقد ذكرنا أن مما يحكم بكونه شرطًا إذا نهى الشرع عنه، فإذا نهى حينئذٍ نقول: النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وإذا كان كذلك حينئذٍ كل شيء نهى عنه الشرع ففعله يكون باطلاً، هذا الأصل، فالبيع المنهي عنه باطل، والصلاة المنهي عنها باطلة، فإذا صلى في وقت النهي نقول: هذه الصلاة قد وقعت في زمنٍ قد نهى الشرع عن إيقاع الصلاة فيه، فإذا أوقعها في ذات أو بين أثناء الوقت المنهي عنه حكمنا على الصلاة بكونها باطلة، لماذا؟ لأن النهي القاعدة العامة النهي يقتضي فساد المنهي عنه، إذًا نحكم بكون الصلاة قد انتفت لانتفاء الطهارة، ما الذي ربط بن هذا وذاك؟ هذه أوصاف عدم صحة الصلاة لعدم وجود الشرط، وصف فليس أمر تدركه بالحس، حينئذٍ نقول: هذا هو الحكم الوضعي، وضع هذا علامة على هذا، يعني: عدمُ وجود الطهارة، هذا وصف، دليل على عدم صحة الصلاة، فرتب هذا على ذاك، إذًا ما يلزم من عدمه العدم، العدم يعني: عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده من وجود الشرط هذا الوصف أو الشيء وجود ولا عدم، يعني: قد يوجد الشرط ولا يوجد المشروط، وهذا لا لذات الشرط وإنما لأمر آخر لأمر ليس راجعًا لذات الشرط، فقد يتوضأ فإذا صلى الظهر نقول: صلاتك لا تنعقد. لماذا؟ هو قد أتى بالشرط، أما قلنا انتفاء الصلاة لانتفاء الطهارة؟ هنا وجدت، وجدت الطهارة ولم توجد الصلاة، لماذا؟ لا لذات انتفاء الشرط وهو الطهارة، وإنما لانتفاء شرط آخر وهو عدم دخول الوقت، إذًا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، هذا يرجع إلى الوصفين وهو الوجود والعدم، لأنه [قد يُعدم لعدم، نعم] قد يُعدم المشروط لعدم الشرط لا لذاته، وإنما لوصف آخر، وقد يلزم من وجوده وجود لا لذاته وإنما لوصف آخر، فقيد لذاته يرجع إلى الوصفين.
الشروط ثلاثة عند الفرضيين معلومة بالاستقراء والتتبع، وهي في الجملة مجمع عليها، كما أن الأركان السابقة كذلك معلومةٌ بالاستقراء والتتبع وهي مجمعٌ عليها في الجملة.