ثانيًا: أنه ما تكلم أحدٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفرائض إلا وقد وجد له قولٌ في بعض المسائل قد هجره الناس بالاتِّفاق إلا زيد، فإنه لم يقل قولاً مهجورًا بالاتّفاق، وذلك يقتضي الترجيح كما قال القفّار رحمه الله، وذلك لا يقتضي الترجيح، بل الصواب أنه لا يقتضي الترجيح، كونُهُ لم يهجر قوله مطلقًا أو [ما من مسألة إلا] ما من رجلٍ تكلم من الصحابة في الفرائض إلا وقد هُجِرَت بعضُ أقواله إلا زيد، هل هذا مُرجّح؟ نقول: لا ليس مرجّح. لماذا؟ لأن الترجيح إنما يكون بالنظر في الكتاب والسنة وما اعتمد عليه قوله، وكونه قد هُجِرَ بعض أقول الصحابة ممن تكلموا في الفرائض ولم يهجر قولٌ لزيد لا يدلُّ على الترجيح، لماذا؟ لأنه حينئذٍ يكون الترجيح بغير مرجح صحيح فليس كل باب التراجيح الذي يذكر في الأصول يكون معتمدًا لا، لا بد من أن يكون الترجيح قد دل على اعتماد هذه الطريقة إما نص وإما استنباط من كتابٍ أو سنة، على كلٍّ هذين الأمرين الذين ذكرهما الشارح لا يلتفت إليهما، والقاعدة ما ذكرناه سابقًا أن زيدًا كغيره، وإن كان ثبت إن صحّ هذا الحديث حينئذٍ يكون أكثرهم اهتمامًا بعلم الفرائض، ولا شك أنه إذا اهتم شخص بعلمٍ ما حينئذٍ يكون قد فهم أصوله وفروعه ومتمِّماتَهُ فيكون قوله أقرب لا لذاته وإنما لكونه أقرب للفن، وكلما كان الطالب أو من يتكلم في الفن أقرب إلى الفن كان أكثر صوابًا، فالذي يمارس الفقه صباح مساء لا شك أنه أكثر من الذي لا يمارسه، والذي يمارس التصحيح والتضعيف أكثر حينئذٍ يكون أقرب إلى الصواب من غيره وهلمّ جرّا، إذًا لا لذات الشخص، وإنما لكونه قد تلبس بالفن أكثر من غيره وهذا الذي يُعنى عند المتأخرين وأهل العلم بالتخصص لأن قوله في فنِّه حينئذٍ يكون أقوى، لا لذاته وإنما لكثرة اتصاله بالفن، ولذلك قال ابن حجر: إذا تكلم الرجل في غير فنِّه أتى بالعجائب. يعني: إذا تكلّم في شيء ليس من أهله، يعني: ليس موطِّنًا نفسه على الفن أتى بالعجائب، الله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015