هذا تعريف لما أراده المصنف رحمه الله تعالى بهذا الباب، جماعةٌ متوارثون يرث بعضهم من بعض أب وابن وزوجة .. إلى آخره ماتوا بحادثٍ كلهم، حينئذٍ من الذي يَرِث، ومن الذي يُوَرِّث النظر فيه يكون بماذا؟ بتحقق الشرطين، إذا ورثنا بعضهم من بعض لا بد أن نتحقق بأن واحدًا منهم مثلاً الأب أنه كان حيًّا، ثم أنه مات أولاً، ثم مات بعده ابنه، هذا لا إشكال فيه بالإجماع أنه يرث، إذا تحققنا علم موت واحدٍ منهم وكان ذا مالٍ، ثم بعده ذلك مات من بعده وهم ورثة له لا شك أن الثاني يرث من الأول، لكن يبقى الإشكال في ماذا؟ وهو سبب انعقاد هذا الباب لو لم يعلم القاضي من مات سابقًا حينئذٍ هل تحقق الشرط؟ أب وابن ماتوا في حادثٍ واحد ما تدري من الذي مات السابق هل هو الأب أو الابن، إن علمت بأنه الأب ورثت الابن من الأب، إن علمت أن السابق هو الابن ورثة الأب من ابنه لكن إذا لم تعلم حينئذٍ انتفى تحقق الشرطين، إن ورثت أحدهما من الآخر هكذا برأيك فهو تحكم، وإن ورثت الاثنين بعضهم من بعض فهو تناقض، لأنك تجعل الوارث مُوَرِّثًا والْمُوَرِّث وارثًا وهذا تناقض، ولذلك جماهير أهل العلم أنه في هذا الحال لا يرث بعضهم من بعض، وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وابن عباس وزيد بن ثابت والأئمة الثلاثة خلافًا لأحمد رحمه الله تعالى. (وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ) متوارثون من رجالٍ فقط أو نساءٍ فقط أو منهما، المراد بالقوم هنا ما يصدق على الجماعة يشمل الرجال فقط أو النساء فقط أو الرجال والنساء معًا، يعني قومٌ جماعةٌ يرث بعضهم من بعض بقطع النظر عن كونهم رجال خُلّص أو نساء خُلّص أو مشترك خليط بين النوعين، المراد ما يقع التوارث بينهم، هذا الذي يعنيه الفقهاء في هذا الموضع (وَإِنْ يَمُتْ قَوْمٌ) متوارثون من رجالٍ فقط أو نساءٍ فقط أو منهما وهو في الأصل يعني القوم في الأصل اسم جنس اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو في الأصل اسم للرجال دون النساء، قوم يُطلق على الرجال دون النساء، ولذلك جاء في القرآن {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [الحجرات: 11] لما نص على النساء دل على أن النساء لسنَّ داخلات في القوم، والقوم الرجال دون النساء كما قال القرطبي، وربما دخل النساء فيه على وجه التبع، ومنه كقول: قوم نوح، وقوم لوط، وقوم محمد - صلى الله عليه وسلم - .. إلى آخره، هذا يشمل الذكور والنساء، والمراد هنا كلام المصنف أعم من هذا ليس الرجال فقط وليس دخول النساء بالتبع، إنما المراد به جماعة فهو أعمّ مما ذكره القرطبي رحمه الله تعالى حينئذٍ يُفسر بماذا؟ رجالٌ فقط، نساءٌ فقط، رجلٌ ونساءٌ معًا، لأن في الصور العقلية هذه إما أن يكون الهدم أو الحريق أو الحادث شمل رجالاً فقط، كل منهم يرث الآخر، أو نساءً فقط كل منهنَّ ترث الأخرى، أو خليط رجال ونساء وكلّ منهم يرث الآخر.