إذًا طلبُ العلم أفضلُ من صلاةِ النافلة إذا تعارضا، وأما الأصل لا، تعمل بكل سنة كُلّ سنة تعلمها قوليه أو فعلية أو تركية فالأصل - وخاصة طالب العلم فالأصل أن يكون سبّاقًا في تطبيقها - ثم إذا حصل تعارض بين المذاكرة بين الحفظ بين حضور الدرس مع بعض النوافل حينئذٍ لا بأس أن يقال: بأن هذا واجب فرض كفاية، وهذا نفل، ولا يمكن جمع بينهما فيقدم الفرض على النفل، هذا المراد، وليس المراد وأن يكون من سنن طالب العلم أن يهجر السنن ويهجر المستحبات ويفعل المكروهات بحجة ماذا؟ هذه العبارات، وليس بعد الفريضة أفضلُ من طلب العلم ولا شك في ذلك. وكفى بالعلم شرفًا أن كُل أحدٍ يدعيه وكفى بالجهل قبحًا أن كل أحدٍ ينكره. كُلّ واحد يظن أنه عالم، وإذا قيل له: يا جاهل. غضب مع كونه جاهلاً، فكل من انتسب إلى العلم ولو بالدعوى والكذب فَرِحَ وارتفع ونفح صدره، وإذا قيل له يا جاهل فهو محلّه [ها ها] حينئذٍ غضب (علمًا بأن العلم خيرُ ما سُعي) أي أفضل الأمرُ الذي سعى الإنسانُ فيه.
........ ما سُعي ... فيه وأوْلَى ماله العبدُ دُعي
أي ومن أولى الأمر الذي طُلِبَ العبدُ له، يعني أمر العبد بتحصيله وهو العلم الشرعي، ولا يخفى التجنيس بين (سُعي) و (دُعي).
وأنَّ هَذا العِلْمَ مخصوصٌ بما ... قَدْ شاعَ فِيهِ عِندَ كُلِّ العُلَمَا
بأنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفقَدُ ... في الأرضِ حَتَّى لا يَكَادُ يُوجدُ
(وأنَّ) هذا معطوفٌ على ما سبق، (علمًا بأن العلم) وعلمًا بأن هذا العلم فهو معطوفٌ على ما سبق، فهو تعليلٌ للسابق، أن هذا العِلمَ هذا العلم الْمُحلَّى بأل إذا وقع بعد هذا وهو اسم إشارة حينئذٍ فسرت أل بالعهد الحضوري، أي العلم الحاضر الذي سيؤلفُ فيه وهو الفرائض، حينئذٍ قوله: (وَأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ) المرادُ به علمُ الفرائض علمُ المواريث، والذي خصّهُ وقوعه بعد هذا، وهذا اسمُ إشارة لأنها تدل على الشيء الحسي هذا الأصلُ فيها أن يكون المشار إليه محسوسًا، وإذا كان كذلك فما بعده لا بد أن يكون حاضرًا، لا يشيرُ إلى شيء غائب وإنما يشير إلى شيء حاضر، ولذلك تفسر أل بعده بماذا؟ بالعهد الحضوري. (وأن هذا العمل مخصوصٌ)، ... (هذا) هذا اسم أنّ، والعلم بدل أو عطف بيان أو نعت، (مخصوصٌ) هذا خبر، (مخصوصٌ) يعتبر خبرًا عنه، يُقال اختص فلانٌ بكذا، انفرد والشيء اصطفاهُ واختاره، (وأن هذا العلم) قلنا: علم الفرائض مخصوصٌ يعني انفرد، (بِأَنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ).