(حَمْدًا بِهِ) الضمير هنا يعود على الحمدِ، (يَجْلُو) هذا مبني للفاعل، جلا يجلو بمعنى يُذهِبْ، والفاعلُ هنا ضمير مستتر يعود على [ها، تحركوا] من الذي يذهب عن القلب العمى؟ الله، فالحمد لله حمدًا به يجلو الله، يعني: يُذهِبُ اللهُ بِهِ بذلك الحمد عنِ القلب عماهُ، حينئذٍ يجلو الضمير هنا يعود إلى من؟ إلى الله عز وجل، ويجلو بمعنى يُذهِبُ و (عَنِ القَلْبِ) جار ومجرور متعلّق بقوله: (يَجْلُو). و (العَمَى) مفعولٌ به ليجلو، يجلو العمى يذهبُ العمى عن القلبِ، فإذا جُعِلَتْ أل هنا نائبةً عن الضمير المحذوف حينئذٍ يُقدَّر عماه. (بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى) عرفنا أن الباء هنا جار ومجرور متعلق بقوله: (يَجْلُو)، والباء هنا سببية، يعني: بسببه بسبب الحمد بسبب ذلك يجلو الله العمى عن القلب، فالضمير في به يعود على الحمد، والضمير في يجلو يعودُ على الله جل في علاه، والمراد بالقلب هنا اللطيفةُ الربانية لأنها هي التي تنجلي بالمعارف، والمراد بالعمى هنا الجهل، يجلو العمى يعني يذهبُ الجهل ومحل العلم هو القلبُ، أي حمدًا يذهبُ الله به عن القلب عماهُ، والقلب معلوم والعمى مقصور يعني ليس ممدودًا يكتبُ بالياء، والمرادُ بالعمى فقدُ البصرِ هذا واضح عدم البصر، وإطلاقه على عمى البصيرة وهو الجهل إطلاق مجازي، يعني إطلاق العمى الأصل فيه العمى فقد البصر هذا الأصلُ فيه، والعلمُ للقلبِ كالبصرِ للعين هكذا قال ابن القيم، ولذلك سمي بصيرًا من البصر فعيلاً مؤخوذٌ من البصر، لماذا؟ {أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108]، يعني: على علمٍ، قال بن القيم: البصيرةُ للقلب كالبصرِ للعين، فكما أن الإنسان يُبصر الطريق بعينه - الطريق الحسيّ - فكذلك يبصر بقلبه [ها] يعني بالعلم الطريق إلى الآخرة، والفرقان بين الحق والباطل يكون بالقلب، هذا هو الأصل. إذًا إطلاق العمى على الجهل مجازًا، وهو ما يسمى بالاستعارة التصريحية تقريرها أنه شبه الجهل بمعنى العمى يعني فقد البصر بجامع التحيُّرِ وعدمِ الاهتداء بالمقصودِ بسببِ كلٍّ منهما، وأستُعِيرَ لفظ المشبه به وهو العمى للمشبه على طريق الاستعارة المصرَّحة ... (حَمْدًا بِهِ يَجْلُو عَنِ القَلْبِ العَمَى) سمي الجهل بالعمى لأن الجاهل لكونه متحيرًا يُشبه الأعمى، وأما عمى البصرِ فليس بضارٍّ في الدين. قال الله سبحانه: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]. نَصّ على أن القلب في الصدر، وهذا واضح {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} قال قتادة: البصرُ الظاهر بُلغَةٌ ومنفعة، وبصرُ القلبِ هو البصرُ النافع. هذا واضح وهذا لا يكونُ إلا بعلم الشريعة الكتاب والسنة. إذاَ حَمِدَ أولاً وذكر حقّ الربِّ جل وعلا، ثم انتقل إلى حقِّ المخلوق.

وأفضلُ الخلقِ على الإطلاق ... نَبِيُّنا فمل عن الشقاقِ

إذًا لما حَمِدَ اللهَ تعالى شرع في ذكر الصلاةِ والسلامِ على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال:

ثمَّ الصّلاةُ بعدُ والسلامُ ... على نبيٍّ دينُهُ الإسلاَمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015