قلنا على التفصيل السابق، المذهب عند الحنابلة أن الكفر مللٌ فلا توارث بين يهودي ولا نصراني، وظاهر النصوص والله أعلم أنه ملة واحدة، فيرث اليهودي النصراني والعكس، وكما ذكرت هذا يكون ماذا؟ يكون فيما إذا تحاكموا إلى أهل الإسلام.
هذه ثلاث موانع (رِقٌّ وَقَتْلٌ وَاخْتِلاَفُ دِيْنِ) مجمع عليها في الجملة، وأما من حيث التفصيل فبعضها فيه خلاف، زاد بعضهم الردة، والمرتد يعني هل يرث أو لا؟ هل الردة مانع أم لا؟ المرتد لغة الراجع، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]. ولا ترتدوا يعني لا ترجعوا.
وشرعًا: هو من كفر بعد إسلامه.
حكمه: أنه لا يرث ولا يُورث، مرتد يعني لا يرث من مسلم ولا يورث، لاختلاف الدين.
اتفقت الأئمة الأربعة على أن المرتد لا يرث أحدًا إلا على ما استثناه الحنابلة في المسألة الأولى أنه لو أسلم قبل قسمة التركة يرث ترغيبًا له في الإسلام، هذا مستثنى، وما عداه فهو متفق عليه بين الأئمة الأربعة أن المرتد لا يرث أحدًا إلا عند الحنابلة لو أسلم قبل قسمة التركة فإنه يورَّث ترغيبًا له في الإسلام.
إذًا لا يرث ولا يُورث، وقلنا: الصواب أنه لا يستثنى، فحكمه حكم غيره من الكفار، وماله حينئذٍ يكون فيئًا لبيت مال المسلمين، ماله يكون ماذا؟ يكون فيئًا لبيت مال المسلمين، لأنه ليس بمسلم حتى يرثه المسلمون، ولا يقر على ارتاده حتى يرثه أهل الملة التي ارتد إليها، يعني لو تنصر مسلم حينئذٍ لا يرثه أهل الإسلام لاختلاف الملتين، طيب النصراني مع النصراني هل يرثه تنطبق عليه المسألة السابقة؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه لا يجوز إقراره، لا بد من قتله "" من بدل دينه فاقتلوه ". إذًا لكونه لا يُقَرّ على دينه فحينئذٍ لا يرث النصراني من هذا الذي تنصر.
إذًا الصواب أن الردة داخلة في اختلاف الدين، وذكرنا أن حكمه لا يرث ولا يُورث وماله فيء لبيت مال المسلمين لأنه ليس بمسلم حتى يرثه المسلمون، ليس بمسلم فانتفى أو وجد المانع، ولا يقر على ارتداده حتى يرثه أهل الملة التي ارتد إليها، وقد جعله بعضهم سببًا أو مانعًا مستقلاً والصواب أنه داخل فيما سبق.
إذًا هذه ثلاثة موانع وهي مجمعٌ عليها في الجملة.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال)
هذا شروعٌ فيما ذكرناه سابقًا في باب النسب أنه المراد به القرابة، وهل كل قريب يرث؟ قلنا: لا، ثَمَّ قواعد وأصول ذكرناها فيما سبق هذا تفصيلها في هذا الباب.
(بَابٌ: الْوَارِثِينَ مِنَ الرِّجَال) أي والنساء لأنه بوب بشيء واحد وذكر الوارثين من الرجال ومن النساء، وهذا الباب معقودًا لمن يرث إجماعًا لأن الورثة منهم من هو متفق على توريثه، ومنهم من هو مختلف في توريثه، وأظهر ما يكون الاختلاف في ذوي الأرحام هل يرثون أم لا؟ المذهب عند الحنابلة نعم يرثون، وسيأتي في آخر المنظومة، وأما من عداهم فبالجملة مجمع على توريثهم وهي الأصناف التي ذكر الناظم رحمه الله تعالى.