القول في حكمه على التفصيل: القسم الأول: من تعلق تميمة واعتقد أن لها التأثير المطلق، وأنها تنفع وتضر من دون الله جل في علاه، فقد كفر كفراً أكبر، وهو الشرك المراد به في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).
أي: شرك أكبر، ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها: القاعدة: من اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فقد كفر وأشرك؛ لأنه أنزل المخلوق منزلة الخالق؛ فهو مكذب لله عز وجل القائل: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].
وهو بلسان حاله يقول: كأن الله له سمي يؤثر في الكون بدون الله جل في علاة.
وقول الله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4].
وهو قد جعل كفؤاً لله يؤثر تأثيره، أو يفعل كفعل الله جل في علاه.
وهو مكذب لله جل في علاه القائل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17].
وهم ينفون ذلك ويرون أن هذه التمائم تؤثر من دون الله جل في علاه، وكأنها تشارك الله في الكون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس قال: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله -جل في علاه- لك)، وهو كذب بذلك، وضرب بكلام الله ورسوله عرض الحائط.
القسم الثاني: شرك أصغر: وهو الذي يعتقد اعتقاداً صحيحاً سديداً في أن الله هو الخالق للكون، وأن الله هو القادر على كل شيء، ولا أحد يشاركه في هذه القدرة، فهذا اعتقاد سديد، لكنه قد اتخذ التميمة سبباً لدفع العين والحسد، وذلك كما يفعل بعض الناس في ذبح الذبائح لدفع العين ودفع الحسد، وهذا النوع من الذبح ممنوع لا يجوز.
فصاحب التميمة اتخذ سبباً لم يشرعه الله جل في علاه، فنزل تحت قول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] وقال الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:54] فالتشريع والأسباب والمسببات كلها في يد الله جل في علاه، فإذا شرع الإنسان سبباً لم يشرعه الله فكأنه أشرك بقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] فهذا من الأثر.
وأما من النظر: فلأن الشرك الأصغر ذريعة إلى الشرك الأكبر، وهذه قاعدة قعدها علماؤنا فقالوا: إن كل عمل يصل بالإنسان إلى الشرك الأكبر فهو شرك أصغر.
فلو وضع المرء الحظاظة أو الحذوة لدفع العين، وقدر الله أنه دفع العين، ففي المرة الأولى سيقول: هي سبب، لكن في المرات الأخرى إذا أراد الله أن يختبره، بحيث أنه كلما وضع الحذوة دفع العين، وكلما أنزلها أصيب بالعين، فإنه سيعتقد في الحذوة ويقول: هي التي تؤثر، وهي التي تدفع العين، فصارت عند ذلك ذريعة للشرك الأكبر.
فالتمائم كثيرة جداً، وهي من أفعال الجاهلية، وقد استقاها أهل الحضر الآن، وأخذوا نفس أفعال الجاهلية؛ لكن سموها بغير اسمها، ومن هذه التعويذات أو التمائم التي تعد من أفعال الجاهلية: العقر، وهو: خيط ملون تربطه المرأة في وسطها.
وسبب ذلك نقول: إن المرأة لا ترضى أن تكون امرأة أخرى زوجة لزوجها، فهذه من الأنانية، بحيث أنها ترى أختها تزني فتتركها تزني، ولا تريد أن زوجها يعفها إن كان قادراً، فهذه امرأة كانت مدرسة للقرآن ومتقنة للأسانيد والقراءات، فجاء زوجها فقال: التعدد سنة، والأصل في النكاح التعدد، وقد رزقني الله القوة البدنية والقوة المادية، ولن أترك امرأة أرملة تنظر للغير أو للحرام، فأريد أن أعفها، فلما تزوجها ماذا حدث من الداعية القرآنية صاحبة الأسانيد؟! ذهبت إلى العمارة التي يسكن فيها زوجها مع الزوجة الثانية، فجاءت بأوراق صغيرة، وكتبت فلانة بنت فلان الغشاشة الخداعة على كل بيت في هذه العمارة؛ لتفضح المرأة الثانية، فامرأة مثل هذه انظروا ماذا فعلت؟! أما غيرها ماذا ستفعل؟ ستذهب إلى أهل الجاهلية وتقول: لا بد أن يطلقها، وربما قد تذهب إلى الساحرة فتقول لها عليها من الله ما تستحق: نجعلها لا تنجب.
قالت: قد أنجبت له الولد والذكر والأنثى.
قالت: فماذا نفعل؟ فالمرأة قد نظرنا في عائلتها فرأيناها خصبة، وممكن أن تنجب، قالت: خذي هذه العقيرة حتى لا تنجب، فأخذتها، وهذا كثير في العوام، وأنا لا أتكلم عن الخيالات في غرار الوسط الملتزم، ولذا كانوا في الجاهلية يعتقدون أنه إذا ربطتها في وسطها دون أن تشعر المرأة الثانية -أي: الضرة- على أنه يمنع الحبل، وتسمى عند أهل الجاهلية بالعقر أي: تجعلها عاقراً، فهذه حالة من الحالات التي يستخدمها أهل الجاهلية ويعتقدون فيها اعتقاداً تاماً.
أيضاً: كعب الأرنب، فإنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون فيه، فإذا وضع على صدر الولد أو وضع على البيت فإنه يدفع العين والحسد، ولا يمكن أن يكون معيوناً ولا يحسد هذا المرء الذي علق كعب الأرنب.
كذلك: ناب الضبع، فكانوا يرون أن نابه أيضاً يدفع العين.
أيضاً: يعتقدون في الصدف الذي يسمى الودع، فيرون أن الودع يستجلب الحظ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) وسياق الحديث لغة يصح خبراً ويصح إنشاء، فيصح خبراً، أي: يخبر الله أن من تعلق ودعة فإن الله لا يجعله يعيش في سرور ولا دعة، ويصح أيضاً، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليه ويقول: من تعلق ودعة اللهم لا تجعله يعيش في دعة ولا في سرور، والاثنان سواء، لأنه لو كان خبراً فقد أوقعه الله كوناً، ولو كان شرعاً فإن دعاء النبي مستجاب لا يرد.
فهم يعتقدون في الودع أنه يدفع العين ويستجلب الحظ، وأهل الجاهلية المعاصرة اليوم يعتقدون ذلك في المعصم، وكان في الجاهلية اسمه: الواهمة، لكن الآن غيروا المسميات وسموها حظاظة، وهي التي تأتي لهم بالحظ.
وأيضاً: انتشر كثيراً جداً تعليق حذاء الحصان في البيوت، وكذلك: (أبو كف) كما يقولون: (خمسة وخميسة)، فتراها معلقة على رأس الطفل، وفي رقبة الطفلة، وفي السيارة، وبجانبها عين، وكأنه يعتقد أن (الخمسة والخميسة) سترد العين الحسود.
وأيضاً: الخرز الزرقاء، وهي مشهورة جداً بين العوام.
وأيضاً: حذاء الطفل الصغير، وهذه أيضاً من التمائم أو التعاليق التي تستعمل في حاضرنا.
والخلاصة: أن هذه التمائم والتعاليق بأنواعها كلها شرك أكبر أو شرك أصغر، وبقي نوع واحد من أنواع التمائم والتعاليق، ألا وهو: التعاليق أو التمائم بكتاب الله جل في علاه، أو بالقرآن، وهذه مسألة مهمة جداً، فبعض الناس بعدما تحذره من التمائم الشركية يقول: أنا سأعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (من تعلق شيئاً وكل إليه)، وأنا تعلقت بكتاب الله، وكتاب الله هو كلام الله، فإذاً الله لا يضيعني، فلما نظر بعض الفقهاء هذه النظرة جعل المسألة فيها نوع من الجواز ونوع من المنع.