إذا قلنا بأن القسم بغير الله لا يجوز، وأنه من الشرك بمكان، فكيف نجيب عن إشكال مشكل جداً، وهو: أنه قد أقسم الذي رفع راية التوحيد بهذا القسم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل يسأله: (أكلت برقية رقيت أحدهم وأخذت قطيعاً من الغنم، آكل من هذا الغنم؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل فلعمري)، فما معنى لعمري؟ أي: حياتي، قال له: (لعمري لمن أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حق)، فهذا حلف بغير الله، فما الجواب؟
و صلى الله عليه وسلم أنه قد اختلف أهل العلم في ذلك، فبعض العلماء كإسحاق وغيره قالوا: لا يجوز أن تقسم وتقول: لعمر الله، وذلك تأدباً مع الله، فالله ليس له عمر، فحياته أبدية أزلية سبحانه وتعالى، فقالوا: إن من سوء الأدب أن تقول: لعمر الله، قالوا: والأفحش منه أن يقول: لعمري؛ لأن هذا شرك.
والصحيح الراجح -كما رجحه النووي وغيره-: أن هذا من كلام العرب ولا يدخل في القسم، فليس (لعمري) من القسم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها في أكثر من حالة، وقالتها عائشة وقالها غير واحد من الفقهاء، على أنها قد درج العرب عليها فأصبحت كاليمين اللغو، فلا تعتبر يميناً كقول القائل: والله لتأكل، والله لتجلس، والله لتشرب، فإن لم يجلس، ولم يأكل، ولم يشرب، فلا كفارة؛ لأن هذا لغو، كما قالت عائشة في تفسير اللغو: هو كقول الرجل: لا والله، نحو: لا والله لتأخذ، لا والله لتأكل، لا والله لتشرب، فالقسم بـ (لعمري) ينزل منزلة اللغو.
إذاً فالراجح أن (لعمري) لغو، درج العرب على قولها فلم تنزل منزلة اليمين.