عند وجود الاستثناء في اليمين لا تكون على المرء كفارة إن حنث، والاستثناء في اليمين أن يقول المقسم: إن شاء الله، بعد أن يقسم على شيء يفعله أو يمتنع عنه، فهذا معنى الاستثناء في اليمين؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24]، فمن قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، وحنث فلا كفارة عليه، وهذا لما جاء في الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف على شيء فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه)، ومعنى: لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه، ولذلك قال ابن عباس: من قال: إن شاء الله فقد استثنى في اليمين، ومن استثنى في اليمين فلا كفارة عليه.
وقال ابن مسعود بسند صحيح: من حلف على شيء فاستثنى فلا كفارة عليه، فمثلاً: لو قال محمد لزيد: يا زيد! تتغدى عندي غداً، فقال زيد: والله لأتغدين عندك غداً إن شاء الله، فجاء الغد فعرضت له مسألة عويصة ومهمة جداً فلم يذهب، فقال له محمد: عليك كفارة يمين، فقد أقسمت بالله أنك تتغدى عندي ولم تأت، فقال زيد: لا، أنا أفقه منك، فإني أعلم من ابن مسعود، بل وأرقى من ابن مسعود من الصادق المصدوق أن من قال: إن شاء الله على شيء وكان عازماً على الوفاء، وهذه هي التي تخرج صاحبها من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث، ومنها: وإذا وعد أخلف)؛ لأنه وعد وهو عازم على أن يفي -وقال: إن شاء الله، فلم يف لمانع حقيقي فليس بمنافق ولا كفارة عليه.
لكن إذا قلنا بهذا التأصيل -أي: بأن الاستثناء يمنع الكفارة وأن المرء لا يأثم بذلك إلا أن يبيت النية بالخلف- فـ ابن عباس قال: عندي تفصيل في هذه المسألة: وهو أنه يجب على من أراد الاستثناء أن يصله بالكلام.
فلو قال: والله لأتزوجن هنداً إن شاء الله، فهذا يصح فيه الاستثناء، أما لو قال: والله لأتزوجن هنداً، وسآتي بالمهر آلافاً مؤلفة، وسآتي بأثاث البيت من كذا وكذا، وسآتي بالبناء ليبني كذا وكذا، ثم قال: إن شاء الله، فنقول له: قطعت الكلام، وإذا قطعت الكلام فلا يصح هذا الاستثناء كما قال ابن عباس: شرط أن يعمل الاستثناء عمله أن يكون متصلاً.
والجمهور على أنه لا يشترط ذلك، وهذا هو الراجح والصحيح، أي: أنه حتى لو انقطع في الكلام ثم قال: إن شاء الله، بل لو تذكر وقال: إن شاء الله، فإن هذا يعمل عمل الاستثناء ولا كفارة عليه، بل ورد هذا عن ابن عباس عندما فسر قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24]، قال هو في الاستثناء، أي: إذا نسي في الكلام وتذكر الاستثناء فقال: إن شاء الله، إذاً: فمن أقسم على شيء فلم يفعله وقد استثنى بقوله: إن شاء الله، فلا كفارة عليه ولا حنث.