ومحل الإشكال عند الطوائف: أنهم وجدوا أن الصفات التي وصف الله بها نفسه في القرآن، أو وصفه بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من الموارد -وليس دائماً- تضاف إلى المخلوقين، قال الله تعالى عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وقال عن عبده: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] وقال تعالى عن نفسه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] وقال عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] بل قال في آية واحدة: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119] {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] فهذا الاشتراك الذي حصل هو مثار الغلط.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ومحل الإشكال الذي عرض لعامة النظار من المتكلمين وغيرهم أن الاشتراك في الاسم المطلق يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص.
قال: وهذا مما يعلم بالعقل والشرع بطلانه.
فالمتكلمون ظنوا أن الاشتراك في الاسم المطلق يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص.
وهذا الظن وهم محض؛ لأن الاسم المطلق الذي وقع به الاشتراك هو كلي لا وجود له في الخارج، ولا يوجد في الخارج إلا المتعينات المضافات المخصصات، بمعنى أنه إذا قيل: يد.
فإن هذه الكلمة كلمة مطلقة لم تضف إلى أحد بعينه، فهذا هو الاسم المطلق، وهذا الكلي في الذهن لا يقع في الخارج إلا مضافاً مخصصاً.
ولهذا نجد أن المخلوقات -ولله المثل الأعلى- لا يستلزم اشتراكها في الاسم المطلق تماثلها عند الإضافة والتخصيص، بمعنى أنك تقول: رأس الجمل ورأس البعوض، فترى أن الماهية بعد الإضافة مختلفة، فماهية هذا غير ماهية هذا، وشكل هذا غير شكل هذا، فإذا كان الاختلاف بعد الإضافة والتخصيص يطَّرد في المخلوقات فمن باب أولى أن يكون الاختلاف بين الخالق والمخلوق، فلا يكون سمعه سبحانه كسمع المخلوق، ولا بصره كبصرهم، ولا رحمته كرحمتهم، ولا غضبه كغضبهم، ولا رضاه كرضاهم
وهلم جرا؛ ولهذا كان سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء مع أنه موصوف بهذه الصفات؛ لأنها لا تماثل صفات المخلوقين.