[وروى أبو القاسم الأزجي بإسناده عن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول: قال عمر بن عبد العزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله ليس لأحد من خلق الله تعالى تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.
وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق.
وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه.
منها: ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء! ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ وما أراك إلا مبتدعاً.
فأمر به أن يُخرَج].
هذا القاعدة التي ذكرها مالك رحمه الله وغيره مطردة، ويظهر فيها أن السلف رحمهم الله لا يتكلمون في التأويل ولا يتكلمون في التشبيه ولا يتكلمون في التفويض الذي هو التجهيل، وهذا صريح بقول مالك: الاستواء غير مجهول.
فلو كان مفوضاً فإن التفويض إما أن يكون في الكيفية أو يكون في المعنى، ولو كان الجميع مفوضاً -كما يقول المفوضة- لما خص مالك الجهل بمسألة الكيفية، فإنه قال: الكيف غير معقول.
فلو أن مالكاً فقط قال: الكيف غير معقول.
لأخذنا من هذا الحرف أن المعنى من حيث هو معلوم؛ لأنه خص القدر الزائد بالنفي فدل على إثبات ما دونه، إذاً: كيف ومالك فصّل فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول؟ فهذا التفصيل تفصيل قاطع، ولهذا من يذكر جملة مالك رحمه الله هذه، ويستدل بها على طريقة التفويض فهذا تأخر في العقل، فأين حرف التوقف فيها؟؟
إذاً: قول مالك رحمه الله: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول يدل على أن المعنى من حيث هو معلوم، وهو معنى لائق بجلال الله سبحانه وتعالى.