[فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء].
وهذه القاعدة التي قالها مالك رحمه الله قاعدة فاضلة لطالب العلم، وهي أن مسألة الظهور بشيء من الشبهة عند بعض الناس لا يعني في نفس الأمر أن الحق الذي معك انقلب إلى باطل، ولكن يبقى أن الشخص بحكم ضعفه قد لا يستطيع دفع هذا الباطل؛ ولهذا قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء.
وغالباً أن الجدل يقع إذا ترك الأثر، وقد جاء في حديث -لكن فيه ضعف - في السنن: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) فالاشتغال دائماً بمسائل الجدل والنقاشات هذا لا ينبغي أن يكون شأناً لطالب العلم؛ لأنه ينبغي أن يكون له شأن في تقرير الاتفاق وتقرير الإجماعات
إلخ.
وربما ترى بعض الشباب قد يشغل نفسه أو يشغل من حوله، وربما أشغل بعض العامة في مسائل يسيرة قد اختلف فيها الأئمة الكبار، والخلاف فيها ليس شديداً، مع أنه كان الخليق والأخلق به أن يشتغل بعبادات أجمع عليها الرسل.
وهذا -سبحان الله! - من قلة الفقه.
وهب أن النزاع فيها له قدر وأهمية فإن كونها لها أهمية ينبغي أن يقدر ذلك بقدره، فإن غيرها من المسائل لها أهمية، وبالقطع والضرورة أنها ليست هي أهم المسائل، فإن أهم المسائل هو توحيد الله سبحانه وتعالى وهذا مستقر.
فكون طالب العلم دائماً يكون اصطحابه لمثل هذه المسائل، ويشغل بها نفسه، ويحدث بها الخاصة والعامة ويؤدبهم بها ..
هذا ليس من أدب الشرع، فإن الناس أحوج ما يحتاجون إلى أن يؤدبوا بالعلم البين، وهو: العلم بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذا هو الإيمان الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، وقال الله تعالى لنبيه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] ويؤدب بالعمل الصالح وبخاصة الأعمال التي هي أصول في الشرائع السماوية كلها، كالصلاة والصيام والإحسان إلى الخلق، وإتيان العبادات الخاصة، وحج بيت الله الحرام
وأمثال ذلك.