فَهَذَا نَص فِي الِاسْتِفْهَام، لَكِن اللَّفْظ الَّذِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ " يبعد أَن يكون استفهاما بِسَبَب زِيَادَة الْبَاء فِي خبر الْمُبْتَدَأ فَلَا يجوز أَن تَقول: زيد بقائم، وَإِنَّمَا هَذَا من خَصَائِص النَّفْي، وَهَذَا على قَول أَكثر النَّحْوِيين.
وَحكي عَن أبي الْحسن الْأَخْفَش مِنْهُم أَنه أجَاز ذَلِك وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى: {جَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَقَالَ: الْخَبَر مثل الْمُبْتَدَأ، فَكَمَا جَازَ زِيَادَة الْبَاء فِي الْمُبْتَدَأ نَحْو: بحسبك زيد، جَازَ زيادتها فِي الْخَبَر، فعلى مَذْهَب الْأَخْفَش تتفق رِوَايَة " الصَّحِيحَيْنِ " وَرِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَيكون معنى الِاسْتِفْهَام: أَي شَيْء أَنا قارئه، فَإِن قُلْنَا: إِنَّه اسْتِفْهَام فَظَاهر من حَيْثُ أَن حَاله - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ كَانَت تَقْتَضِي ذَلِك، وَإِن قُلْنَا: أَنه نفي على الْمَعْنى الثَّانِي فَظَاهر أَيْضا لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أُمِّيا، وَإِن قُلْنَا: هُوَ نفي بِالْمَعْنَى الأول فقد بَينا وَجه امْتِنَاعه وَهُوَ خَوفه من عَارض يلم بِهِ، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله أَولا: استفهاما، فَلَمَّا لم يجد بدا من الِامْتِثَال أنصت فَتلا عَلَيْهِ الْملك.
قَوْله: " فأخذني فغطني ":
هَكَذَا رِوَايَة " الصَّحِيحَيْنِ " بالغين الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة، وَرُوِيَ بالثاء الْمُثَنَّاة من فَوق فِي مَوضِع الطَّاء، تعاقبت: الطَّاء والثاء على هَذِه اللَّفْظَة لقربهما فِي الْمخْرج، ويروى: " سأبني " و " سأتني " بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الْهمزَة، وبالتاء الْمُثَنَّاة فَوق، وبالسين الْمُهْملَة فيهمَا، وَالْكل بِمَعْنى الخنق