أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله على النَّار، فَقَالَ معَاذ: يَا رَسُول الله، أَفلا أخبر بهَا فيستبشروا؟ قَالَ: إِذا يتكلوا ".
فَقَوله: " إِذا يتكلوا " يحْتَمل أَن يكون إِيمَاء إِلَى أَنَّك لَا تخبر بهَا خوفًا من حُصُول هَذِه الْمفْسدَة، وَيحْتَمل أَن يكون مُجَرّد هَذَا تخوف من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَن مُرَاده التَّبْلِيغ لِأَن هَذَا من جملَة مَا أنزل عَلَيْهِ وأوحي إِلَيْهِ، وَطَرِيق التَّبْلِيغ أَن يلقيه على بعض أَصْحَابه وَذَلِكَ الصَّحَابِيّ يبلغهُ غَيره، فَكيف ينْهَى عَن التَّبْلِيغ وَهُوَ مَأْمُور بِهِ؟ فَلَعَلَّ معَاذًا توقف لذَلِك مُدَّة حَيَاته ثمَّ احتاط لنَفسِهِ فَبلغ، لِأَن الْأَوَامِر بالتبليغ صَرِيحَة فَلَا تتْرك بِاحْتِمَال النَّهْي، كَيفَ وَأَنه قد ورد معنى هَذَا الحَدِيث عَن غير معَاذ وَأنس وَلَيْسَ فِيهِ إِيمَاء إِلَى الْإِمْسَاك عَن الْإِخْبَار بِهِ وَالله أعلم.
قَالَ الْمَازرِيّ:
" وَاخْتلف النَّاس هَل كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - متعبدا قبل نبوته بشريعة أم لَا؟ فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه غير متعبد أصلا.
ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ هَل يَنْتَفِي ذَلِك عقلا أم نقلا؟ فَقَالَ بعض المبتدعة: يَنْتَفِي عقلا لِأَن ذَلِك تنفير عَنهُ وغض من قدره إِذا تنبأ عِنْد أهل تِلْكَ الشَّرِيعَة الَّتِي كَانَ من جُمْلَتهمْ، وَمن كَانَ تَابعا فيبعد مِنْهُ أَن يكون متبوعا - قَالَ: وَهَذَا خطأ وَالْعقل لَا يحِيل هَذَا.