وَاحِدًا، أَوْ تَخْتَلِفُ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ مُتَعَدِّدًا. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ أَصَبْتَ فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُصِيبِ أَجْرَيْنِ وَلِلْمُخْطِئِ وَاحِدًا» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ أَصَبْت فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أَخْطَأْت فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْقِيَاسِ ثَابِتٌ بِمَعْنَى النَّصِّ وَإِنْ وَرَدَ نَصَّانِ صِيغَةً فِي حَادِثَةٍ لَا يَتَعَدَّدُ الْحَقُّ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ إذَا وَرَدَا مَعْنًى)
أَيْ كَيْفَ يَتَعَدَّدُ الْحَقُّ إذَا وَرَدَا مَعْنًى.
نَظِيرُهُ حُلِيُّ النِّسَاءِ فَإِنَّا نَقُولُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْمَضْرُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَقَّ أَيْ أَكْثَرَ ثَوَابًا بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى وُجُوبِ الشَّيْءِ، فَهُوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِمَّنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ مَعَ حَقِّيَّةِ الْحُكْمَيْنِ اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَقِّ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَهُوَ لُزُومُ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعَدُّدِ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فِي الْأَحَقِّيَّةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ التَّفَاوُتُ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ. وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَوْ تَسَاوَتْ الْأَحْكَامُ الِاجْتِهَادِيَّةُ فِي الْحَقِّيَّةِ لَجَازَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَطَلَبٍ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا مَعْنَى سُقُوطِ الِاجْتِهَادِ. وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ عَقِيبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِيَتَحَقَّقَ الْحُكْمُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْحَقِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الِاجْتِهَادَ وَيُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا آخَرَ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَجَوَازِ اخْتِيَارِ الْمُجْتَهِدِ أَيَّ حَقٍّ شَاءَ لَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ لِيَعْلَمَ تَعَدُّدَ الْحَقِّ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ اخْتِيَارِ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ مِمَّا يَتَعَدَّدُ فِيهِ الْحَقُّ بَلْ قَدْ تَجْتَمِعُ الْآرَاءُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ الْحَقُّ وَاحِدًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَدُّدَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ آرَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ لَا يُتَصَوَّرُ وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَتْ الْحُقُوقُ لَثَبَتَ الْحَقُّ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ بِأَدْنَى دَلِيلٍ يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِي الطَّلَبِ وَالِاجْتِهَادِ لِتَسَاوِي مَا يُنَالُ بِغَايَةِ الطَّلَبِ وَمَا يُنَالُ بِأَدْنَى الطَّلَبِ، وَهَذَا مَعْنَى سُقُوطِ الِاجْتِهَادِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَتْ الْحُقُوقُ لَبَطَلَتْ مَرَاتِبُ الْفُقَهَاءِ وَتَسَاوَى الْبَاذِلُ كُلَّ جَهْدِهِ فِي الطَّلَبِ الْمُبْلَى عُذْرُهُ بِأَدْنَى طَلَبٍ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا) احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَالْمُجْتَهِدُ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] وَالضَّمِيرُ لِلْحُكُومَةِ أَوْ الْفَتْوَى وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ وَبِالْحَرْثِ