فكان أولى. فإذا كان قوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن متعلقًا بما قبله تعلق الشرط بالمشروط فلا بد من إضمار على قراءة التخفيف لينتظم الكلام مرتبطًا بعضه ببعض فيكون التقدير فلا تقربوهن حتى يطهرن. فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن.
وفي هذا كفاية في إثبات الرجوع إلى قراءة التشديد. ومما يرجح به مذهبه من أخذ بقراءة التخفيف أنه يقول أن الله سبحانه ذكر أن المحيض أذى ونبه على أن ذلك علة لتحريم (?) الوطء فيه. فإذا زال الدم وعدم ذلك (?) فقد عدمت علة التحريم. فيجب أن يرتفع التحريم للوطء لارتفاع علته. وأجاب أصحاب قراءة التشديد على هذا بأن العلة قد ترتفع وتخلفها علة أخرى تقتضي إثبات مثل حكمها. كالوطء يمنع لأجل الصوم. فإذا حاضت الصائمة بطل الصوم وحرم الوطء لعلة أخرى وهي الحيض. والحائض وإن ارتفع دمها المانع للوطء فإن حكم حدث الحيض باق. وهو يمنع الوطء بالدليل الذي قدمناه. كما منعه نفس الحيض. فإذا ثبت أن الحائض لا يستباح وطؤها بزوال دم الحيض دون تطهير على ما أفادته قراءة التشديد فما هذا التطهر؟ اختلف الناس فيه على ثلاثة أقوال.
جمهور العلماء على أنه الطهارة الكبرى التي هي غسل جميع الجسد. وصار قوم إلى أنها الطهارة الصغرى التي هي الوضوء. وصار آخرون إلى أنه غسل الفرج، وهؤلاء الصائرون إلى غسل الفرج حملوا الآية على الطهارة من النجاسة. وإنما ينجس الفرج خاصة فوجب قصر هذا الطهر عليه. ورأى آخرون أن الطهارة إذا أطلقت في الشرع فالمراد بها طهارة الحدث فاقتضى الشذوذ من هؤلاء على الطهارة الصغرى. لأنه أدنى ما يقع عليه الاسم العرفي عند أهل الشرع. ورأى الجمهور أن الطهارة الصغرى لا ترفع جميع موانع الحيض بإجماع الأمة. وإذا لم ترفعه فلا معنى لفعلها ولا وجه لحمل الآية عليها (?).