الصوم واجب في تناقض كما وقع في الحائل. فلهذا افترق الأمر عند هؤلاء، وصار الأمر في إجازة التأخير لهذين، كإجازة تأخير الصلاة عن أول الوقت إلى آخره. ولم يخرج الصلاة ذلك عن وصفها بالوجوب بأول (?) الوقت. وإنما يبقى ها هنانظر آخر، وهو أن يقال (?) جواز الترك ينفي حقيقة الوجوب. فكيف وصفت (?) الصلاة بالوجوب أول الوقت؟ وهذه المعارضة ألجأت القاضي أبا بكر بن الطيب وغيره من الأئمة إلى إثبات العزم واجبًا ليكون بدلًا من تقدمة الصلاة أو الصوم (?) ولم يساعده آخرون على إثبات العزم. ولا مطمع في الخوض في هذا الأصل الآخر في كتابنا هذا. لأنه من الدقيق الغامض الذي يفتقر إلى الاستبحار في علم الأصول.
ورأى الآخرون (?) أن سقوط الصوم على المريض، قصد الشرع التخفيف عنه بسقوط التكليف لكونه في حكم العاجز عنه. والعاجز لا يكلف. والمسافر قادر. فقصد الشرع التخفيف بالتأخير لا بإسقاط التكليف. فاتبع في ذلك قصد الشرع.
والقاضي أبو بكر بن الطيب على عظم شأنه في علم الأصول قد يميل في بعض كتبه إلى التفرقة بين المريض الذي يعسر عليه الصوم ويشق، وبين المسافر لأجل هذا الذي قلناه. ويميل في بعض تصانيفه إلى التسوية بينهما في اتصال الخطاب بهما. وفيهما وقع الالتباس عند الحذاق.
وأما من ذهب إلى أن الحائض مخاطبة بالصوم كهذين (?) واعتمد على كون صومها الموقع بعد رمضان قضاء، فإنه يتمسك بوجهين: أحدهما لفظي، والآخر معنوي. فأما اللفظي فتسمية أهل الشرع صومها الموقع بعد رمضان