عدم (?) أو يقال الأصل ثبوت الضمان فلا يشقط يالشك. هذا ضبط المذهب في هذه الأقسام وبُيِّن الخلاف فيه.
وأما إن لم يعاين حرق الرهن، ولكن احترق السوق الذي يكون فيه الرهن، وكان فيه الرهن غالبًا، فزعم المرتهن أنه احترق في جملة ما احترق، فأشار بعض المتأخرين إلى أن ظاهر كتاب ابن حبيب أنه لا يصدَّق, لأنه ذكر أن الحرْق إذا كان مشهودًا وأتى المرتهن ببعض الثوب، وقد احترق، فإنه يصدّق ويسقط الضمان عنه. ورأى أن اشتراط إحضار الثوب محروقًا يقتضي دليل الخطاب أنه إن لم يحضرْه فإنه لا يصدّق. ولكن هذا الذي ذكره لم يبين فيه وجه الاشتراط.
وقد كان نزل عندنا سنة ثمانين وأربعمائة لما فتح الروم دمّرهم الله زوياة (?) والمهدية، وقتلوا كثيرًا من أهلها، ونهبوا الأموال من سائر الديار، وكثرت الخصومات مع المرتهنين من الصناع، وفي بلدٍ المشايخ من أهل العلم متوافرون فأفتى جميعهم بتكليف المرتهن والصانع البينة أن ما عنده من رهن، أو شيء يصنعه، قد أخذه الروم.
وأفتيت أنا بأنهم مصدقون لأجل أن الغالب صدقهم فيما زعموا من التلف، كما أن مالكا أسقط ضمان ما لا يغاب عليه وإن لم يثبت تلفه بعينه، ولكن قنع بالعلم على الجملة أنه لا يستتر ولا يخفى ولو كان موجودًا لظهر، فإذا أقام بالبلد أيامًا كثيرة ينهب، وتخرج منه الخبايا كان ذلك آكد في غلبة الظن بأن مدعي ذهاب الشيء مصدّق، وغلبة الظن قد أشار مالك رضي الله عنه إلى اعتبارها في هذا، على حسب ما قلناه. وكان القاضي يعتمد على ما أفتيتُه به، فتوقف عن القضاء لأجل كثرة من خالفنا من المفتين، حتى شهد عنده عدلان أن الشيخ أبا القاسم السيوري رحمه الله، وهو شيخ الجماعة الذين خالفوني،