بعد عوده إلى يد الراهن، إذا أراد أن ينتفع به بنفسه، لكن ملكه باقيا (?) عليه يقتضي تمكينه من ذلك، وتمكينه من ذلك يقتضي إبطال حق المرتهِن في تعلق حقّه بعين رقبة الرهن، فما الذي يغلَّب من هَذين الجانبين؟ هذا سبب الاختلاف بين المذهبين:
فأبو حنيفة يغلّب حق المرتهِن، ويقول: المنافعْ، وإن كانت مملوكة للراهن، فليس ذلك يوجب أن يُستوفى ويقبضَه مالكُه، ألا ترى أن من اشترى سلعة حُبِسَتْ عنه بالثمن، فإنه، وإن ملك منافعها, لا يمكنَّ من استيفائها حتى يدفع الثمنَ. فقد تبين أن مجرد الملك لا يوجب التمكين من المنفعة. وأيضًا فإن حقيقة الرهن: ملكُ اليد بحفظه وبحوزه، والمنْع منه، ولهذا منع أبو حنيفة رهن المشاع، تكون حوْز اليد يحصوّر في المشاع، لكونه غيرَ متميّز ولا منفرد، كما تقدم بيانه. وإذا مكنْا الراهن من استيفاء المنفعة أدى ذلك إلى بطلان حكم اليد، وكل ما أدى إلى إبطال حكم اليد كان ممنوعًا. ويؤكد هذا بأن الشافعي، وإن قال: يتمكّن الراهن من استيفاء المنفعة بنفسه، فإنه إنما يستوفيها على حسب ما جرت به العادة، فلو رهن دابّة وقبضها المرتهِن لكان من حق الراهن، عند الشافعي، أن يركبها نهارًا بالبلد الذي هي رهنٌ به، ويردّها للمرتهن ليلًا يحفظها مع كون المالك أوْلى بحفظ ماله من غيره، وما ذاك إلا أن حكم اليد مغلَّب على حكم الملك.
هذا كشف الغطاء عن سر ما ذهب إليه أبو حنيفة.
والشافعي يقول: حق المِلكْ مغلّب على حكم اليد، في مثل هذا، ما لم يرد (?) تمكين المالك إلى تفويت حق المرتهن في رقبة الرهن، أو نقْصٍ من حقه فيها، فإذا غلّب حقّ المالك على حق اليد لم يمنع الراهن من استيفاء