خطأ ففي تضمينه قولان لأنه أتلف على وجهٍ لا منفعة له فيه، وسواء كان المتلِف مشتريا أو وارثا.
ومنهم من يشير إلى طريقة ثالثة، ويرى أن الواهب إذا كان مشتريا فوهب، فإنه لا يضمن، وإن كان وارثا فإنه يضمن. ويعتلّ هؤلاء بأن الواهب إذا وهب ما ورثه فإنه يُتَّهم أن يكون علم من شاركه في الميراث، فكتم ذلك، وأظهر أنه أتلف ما وهب غلطا منه، والمشتري يَبْعُد تصور هذه التهمة فيه، لكونه بذل ثمنا فيما وهبه، فلا تتطرق إليه هذه التهمة.
وهذه الطريقة بعيدة عن ظاهر الروايات، ألا ترى أن ابن القاسم قال، فيمن اشترى ثوبا فوهبه لمن لبسه حتى أبلاه: إن الواهب لا يضمن. وقال في المدونة، في كتاب كراء الدور والأرضين, في الوكيلَ إذا وُكِّل على كراء دار فحابى: إنه يضمن.
وهذا مما غرّ أصحابَ هذه الطريقة، ورأوا أن الفرق بين المسألتين كون المجموعة (?) وقعت في مشترٍ بذل عوضا فوهب، ومسألة كراء الدور والأرضين وقعت في وكيل لم يبذل عوضا. وقد نص ابن القاسم في المدونة، في كتاب القسم، على فساد هذه الطريقة، فقال، فيمن وُصِّيَ له بثلث دار، فأتى فوجدها قد فاتت في يد الورثة بهدم: إنه لا يضمن الورثة قيمة الهدم، قال: ألا ترى أن مالكا قال، فيمن اشترى دارا فهدمها، ثم أتى مستحقها: أنه ليس له تضمين المشتري قيمة الهدم. فاستشهد بنص مالك في المشتري على من ملك الشيء بغير عوض. ولو كانا يفترقان عنده، كما أشار إليه بعض الأشياخ، لم يكن لاستدلاله وجه، ولم يساو بين مسألتين مفترقتين، على رأى هؤلاء المتأخرين الذين أشاروا إلى ما ذكرنا.
وإنما التحقيق ما قدمنا مرارًا من أن الخطأ والعمد في إتلاف أموال الناس سواء، إلا أن يكون المتِلف له إذن خاص فيُخْتلفَ فيه. وقد ذكرنا مثل هذا في مسائل.