واعلم أن هذا الذي قال ابن المواز لا ينبغي أن يختلف في جوازه, لأنه لا يتصور فيه وجه من التحريم، لكون من عليه الدين لم يُلزَم بأكثر من دفْع ما عليه، والحميل أخرج دراهم سلفًا، وعاد إليه مثل سلفه. فما صورناه من وقوع في الربا، أو غرر في المعاوضة، يرتفع في هذه المسألة. وإنما يتصور فيها الخلاف إذا لم يُجْبَر على القضاء، وأثبتنا التخيير للغريم، وأن يدفع ما عليه، أو يدفع إلى الحميل ما دفعه عنه.
فإذا تقرر حكم صلح الكفيل عن دنانير تحمل بها بدراهم يدفعها لمن له الدين، فلو كان هذا الصلح عن هذه الدنانير بمكيل أو موزون مما يقضى بمثله، وصالح بذلك بشَرْيٍ منه للدين الذي تحمل به، فإن هذا يعتبر فيه ما يعتبر في شراء الديون التي في الذمم، من النظر فيما يشترى به الدين، هل يجوز أن يكون ثمنًا للدين أم لا, وهذا يعرف حكمه مما قدمناه في كتاب البيوع وبيناه، مما يجوز أن يكون رأس م الذي السلم، وعوضًا عما أسلم فيه، من اعتبار اختلاف الأغراض إلى غير ذلك مما بيناه. ومن شرطه أيضًا أن يكون الغريم الذي بيع الدين عليه حاضرًا مقرًّا بالدين الذي عليه، لئلا يقع الغرر والتخاطر في العقد بالجهل بما يجري على الغريم في ذمته، وجواز جحوده لما عليه ..
لكن وإن كان شرط في المدونة مثل ذلك في شراء الحميل الدين الذي تحمل به، فإن الرواية في المدونة اختلفت في إثبات كونه مقرًّا، ففي بعضها إسقاط اشتراط كونه مقرًا، وفي بعضها إثبات ذلك، كالأجنبي إذا اشترى دينًا لم يتحمل به. ووجه إسقاطها أن الحميل مطلوب بغرامة الدين الذي اشتراه، فكأنه اشترى الدين الذي عليه واشترى ما لا يخشى سقوطه بخلاف الأجنبي الذي اشترى دينًا لم يتحمل به، وقد أنزل الحميل منزلة الغريم حتى كأنه هو. وبهذا منعوا أن يشتري الحميل الدين المسلم فيه بدنانير هي أكثر من رأس مال
المسلم، كما يمنع من ذلك الغريم الذي عليه السلم, لأن الغريم إذا أسلم إليه مائة دينار، وأقاله من له السَّلَم على مائة دينار وخمسين، فإن ذلك لا يجوز،