واختلف الجواب عن هذا الاستدلال، فأشار بعضهم إلى أن الكفالة ببعض الدين كفالة بمجهول لا تعلم حقيقته حين الكفالة، ولا يعلم ذلك بعدها في ثاني حال، بخلاف من تكفل بمجهول مثل ما يقضي به القاضي على رجل، أو ما شهدت، به بينة، أو ما يبايع به فلانا، كما مثلنا به الكفالة بالمجهول فيما قدمناه، فإن هذا كله يكشف مقدار ما تكفل به الكفيل إذا قضى القاضي بالدين، أو شهدت به البينة، أو (بيع به المكفول له المكفول عنه) (?). وذكر البعض لا يعلم مقداره حين الكفالة ولا بعدها.
ويدافع أصحاب الشافعي هذه التفرقة بأن العلم بالمجهول بعد انعقاده جهل لا (?) يؤثر، ألا ترى أنه لو باع منه عبدًا غائبًا لم يوصف، ولم تتقدم مشاهدته، لفسد البيع، ولو قدم العبد وأحيط به علمًا بعد ذلك.
وأما ابن القصار، من أصحابنا، فسلك في الجواب طريقة أخرى، فقال: لا تمنع هذه الكفالة، لكن يقال للكفيل: بيّنْ لنا مقدار ما أردت بقولك: أتكفل
ببعض الدين. فيلزمه ما أقرّ به من ذلك.
وهذا أيضًا قد يقولون فيه: إن هذه الكفالة إنما انكشف مقدارها بعد وقوعها فعاد الأمر إلى الجواب الأول.
فإذا صح ذلك فإن رضي المتحمل به والمتحمل له ليس بشرط في صحة الكفالة، بل يجوز أن يقول الرجل: أنا حميل لك بمن يثبت لك عليه دين وينعقد لك عليه، ثم يكون المكفول له بالخيار بين أن يقبل ذلك منه أو لا يقبل.
وكذلك لو لم يرض المتحمل عنه بالحمالة فإن من حق المتحمل له أن يطالب الحميل بما التزم من ذلك، كما لو التزم لرجل أن يقضي له دينا على رجل آخر. وهكذا الظاهر من مذهبنا أنا لا نشترط في صحة الحمالة معرفة من