ويجيب المخالفون عن هذا الاحتجاج أيضًا بأن الحمالة إنما تعتبر حين العقد، والمتكفَّل به ها هنا حين الكفالة معلوم وهو الثمن، فإن الكفيل يجب عليه ردّه إذا وقع الاستحقاق، وإنما تؤثر الجهالة في الكفالة حين عقدها ووقوعها ألا ترى أن من باع عبدًا من أعبد ثلاثة فإن ذلك لا يجوز لكون المبيع مجهولًا حين العقد. ولو استحق (?) الأعبد الثلاثة، وقد باع جميعهم صفقة واحدة لوجب الرجوع بمقدار ما استحق،. فكذلك الجهالة بالعهدة لا تؤثر فيها الجهالة بمقدار ما يستحق كما لم يؤثر ذلك في جواز البيع المجتمع على اجتناب الغرر الكثير فيه.
ويحتج أصحاب الشافعي على المنع من الكفالة بالمجهول بأنه يثبت عقد شيء في الذمة لا يُدرى مبلغه، فوجب منعه كالأثمان. والكفيل إنما يحل محل المشتري الذي تكفل عنه بالثمن فإذا كان المشتري لا يجوز له أن يشتري بثمن مجهول، فكذلك الكفيل لا يضمن أيضًا شيئًا مَجهولًا.
ويناقضهم أصحابنا هذا بأن الذمة قد ثبت فيها حق مجهول عن عقد، كمثل صداق المثل إذا قضي به في النكاح الفاسد، وهو مجهول، وعوض عن عقد، فدل ذلك على أنه لا يستنكر ثبوت حق مجهول في الذمة عن عقد.
ويجيب أيضاَّ أصحاب الشافعي عن هذا يأن التثبيت خلاف الثبوت، لأن المراد بالتثبيت تعاقد المتعاملين على ثمن مجهول تشترى به السلعة. والمراد بقولنا ثبوت ما يوجبه الشرع في الذمة بغير اختيار المتعاملين، والزوجان إذا تعاملا على صداق فاسد، ووقع الدخول، فالقضاء بصداق المثل الشرع أوجبه، بخلاف ما يقع المتعاملان فيه اختيارا.
واستدل أصحاب الشافعي بأن من تكفل ببعض دين على آخر لا تصح به الكفالة لكون ذلك كفالة بمجهول.