شرح التلقين (صفحة 2626)

وأمَّا بعد رفعها إلى القاضي فالقول قولها، ويحكم لها بالإنفاق وإذا حكم لها صار ذلك كغيره من الديون الثابتة عليه، وجرى مجرى الصداق الذي بذل في مقابلة استباحة الفرج، فإذا حصل الوطء وجب الصداق والنفقة في مقابلة التمكن من الاستمتاع وهي بعد رفعها إلى القاضي ممكنة من الاستمتاع، فصارت النفقة المقبوض عوضها كاللاحقة بالديون.

هذا الظاهر من المذهب وجوب المحاصة في الفلس. وأمَّا محاصتها بهذا الإنفاق بعد الموت، فحكى ابن القاسم أنه اختلف فيه قول مالك، فقال مرة: تحاص به، وهو اختيار ابن القاسم. وقال مرة أخرى لا تحاص به في الموت.

ووجه ما أشرنا إليه من كون الضرر يلحق في الموت أشدّ ممَّا يلحق مع حياة المفلس. وقد قيل: لا تحاص بالنفقة في موت ولا فلس.

وكأن هذا رأى أن النفقة لما كانت تسقط مع الإعسار ضعفت عن الديون التي ثبتتْ في الذمم مع العسر واليسر. وقد قال سحنون: إنما يحاص بالنفقة إذا كانت الديون محدثة بعد وجوب النفقة لها، فكان حقها عنده قويًا من وجه السبق والتقدم، فإذا تقدمت الديون حازت الترجيح من الوجهين: المتقدم والسبق، ومن كونها تثبت مع العسر واليسر.

وأمَّا المحاصة بنفقة البنين الصغار، فابن القاسم نفاها في الموت والفلس. وأشهب أثبتها كما أثبت نفقة الزوجة.

فكأن ابن القاسم رأى أن نفقة الزوجة عن معاوضة، فلحقت بالديون التي هي أثمان سلع، ونفقة البنين مواساة لا عن عوض فلم تزاحم الديون فتقع المحاصة بها.

وكأن أشهب قد رأى أن الولد من يوم سقوطه في البطن وجبت نفقته على أبيه من غير افتقار إلى قضية قاضٍ، فأشبهت نفقة الزوجة الواجبة التمكين.

وأمَّا نفقة الأبوين، فقد قال مالك: لا يقع الحصاص بها في فلس ولا موت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015