المسلمون، وأحقهم بتكلف ذلك الغرماء الذين طلبوا إزالة ما عليه من ستر، وأخذ ما في يديه من طعام، فكأنهم هم الطالبون لإحداث هذا المنكر، فوجب عليهم ألَّا يفعلوه. وقد علم أن المرأة لا تلزمها نفقة ولدها إذا كان الأب معسرًا، ومع هذا يلزمها رضاعه، وإن كانت صيانة حياة الطفل من فروض الكفاية فأحق الناس بهذا الفرض الأمّ لاختصاصها به، وطلبها أن تنبذه فيهلك، فنهيت عن ذلك.
وإبقاء شيء في يديه إضرار بغرمائه، ونزع ما عليه مما يحتاج إليه وأخذ طعامه أو ثمن الطعام حتى يبقى جائعًا يخشى عليه إضرار به هو أيضًا، فيغلب أحد الضررين فيترك له من الطعام ما يعيش به هو وأهله الأيامَ.
هكذا ذكر في المدونة من غير تحديد الأيام ولا تقدير. وفي غير المدونة حدد ذلك بالشهر ونحوه.
وقال بعض أصحابنا: لو لم يكن عنده إلاَّ مقدار نفقة الشهر لم يؤخذ له ذلك. وهذا لأجل أنه لو لم يبق له إلا طعام يومه وغده لأمكن أن لا يجد شيئًا يتعلق به في تحصيل قوته كل يوم، فوجب له أن يترك ما يقتات به المدة التي يمكن أن يفكر فيها، ويسعى في أثنائهما، حتى يحصل له طريق يتقدم به إلى قوت نفسه وعياله: زوجته وأولاده الصغار. فتارة أدى الاجتهاد إلى تقدير هذه المدة بالشهر، وتارة أدّى آخرين ذلك إلى نفى التحديد.
التحقيق في هذا أن تقدير هذا المقدار بما تقتضيه قرائن حال المفلس، وما عرف من وجوه تكسبه للرزق وقدرته عليه، وسلكوه (?) أنواعًا فيها أو نوعًا واحدًا، فيترك له مقدار ما يؤدي الاجتهاد إليه في تحصيله وجهًا تتأتى منه المعيشة.
فإذا كان صانعًا إنما ينفق على نفسه وزوجته وولده من خدمته بيديه وعمل