بعمل يحصل في الاستقبال، والعلم لا يحصل إلا باختبارٍ فاقتضى هذا أن الاختبار إنما يكون بعد البلوغ.
والجواب عن السؤال السادس أن يقال:
قد تكلمنا على زمن الاختبار لليتيم. وأمّا صفته، فالنكتة المعوّل عليها، على الجملة، التأمل والاجتهاد في طريق يطلع بها الوصي على اليتيم على باطن أمره ومنتهى ميزه في إمساك المال وضبطه، والمعرفة بتنميته، على حسب ما قدمناه في الاختلاف في حقيقة الرشد. والمعتمد في ذلك قرائن الأحوال، وربما اتفق منها ما لا يضبط بلفظ أو كتابة، لكن يعلمها على التفصيل أن يكون اليتيم إذا نهض على السنن الذي يحتاج فيه إلى من يغذيه ويحفظ عليه طعامه، وصار مستقلًا بنفسه في تغذيته وتدبير طعامه ومنامه، فإنه يدفع إليه دنانير أو دراهم بمقدار ما يشتري به غدَاءه أو عشاءه. ويكون ذلك عليه حتى يعرف منه أنه سلك في ذلك مسلك العقلاء الرشداء. فإذا ثبت هذا الوصف له نقل عنه شيئًا فشيئًا، فيدفع إليه من ماله شيئًا يسيرًا فوق مقدار ما ينفقه في قوته، ويكلف البيع والشراء في أمور لا يستغنى عنها. فإذا استقر في النفس أيضًا في حاله أنه سلك مسلك الرشد، نقل إلى أن (?) شيئًا يسيرًا يتجر به، فإن صانه وأنْماه زاده الوصي مالًا آخر حتى يتحقق أنه إن أخذ ماله كله صانه وأنماه، فيدفعه إليه.
وقال الشافعي: لو كان من أبناء الوزر الذين لا يليق بهم التجر في الأسواق لاختبر بما يدفع إليه من الانفاق على الأهل، وما في معنى ذلك. ولو كانت امرأة لاختبرت بما تتصرف فيه من أمور الغزل والاستئجار عليه.
وهذا المعنى الذي أشار إليه الشافعي يتضمن قولنا: الغرض حصول علم يستفاد من قرائن الأحوال، ولا يضبط جميعها بلفظ ولا خَطّ.