إطلاق القول بتصديقها في دعوتها طلب الصداق، والأحسن عنده إطلاق القول بإسقاطه، لأن ما بني على قرائن الأحوال، التحقيق فيه اعتبارُ قرائن الأحوال في كل نازلة بعينها، وقد تكون قرينة في شخص، (?) آخر ولا تدل على مثل ما دلت عليه. ولهذا يقول أهل الأصول إن قرائن الأحوال المثمرة للعلم لا تنضبط بخط ولا لفظ .. وكأن أصحاب مالك رضي الله عنهم رأوا أن تتبّع كل نازلة بعينها والالتفات إلى قرائن أحوالها ضرب من القضاء بجزئيات لا تنحصر ولا تنضبط، وقد يقع فيها الغلط من بعض الحكام ولو أن إثبات قاعدة أجبتم (?) لموارد الغلط، ولكنهم اختلفوا في هذه القاعدة، فابن القاسم يرى أنها لا يقضى لها بالصداق. وذكر هذا أيضًا عن مالك. وكأنه رأى أن الأصل براءة الذمة من الغرامة إلا بإثباتات توجب الغرامة، وليس ها هنا سوى دعوة المرأة عليه مالًا، والمال لا يقضى فيه بالدعوى، وليس كون الدعوى تشبه دلالة على تصديق المدعي.
ورأى غيره من أصحاب مالك أنها يقضى لها بالصداق، إذ ليس من قبل المدعى عليه ما يدل على كذبها، ومن قبنها ما يدل على صدقها من مقتضى العادة، إذ لا تتهم امرأة أن تفضح نفسها وتضيف إليها الزنى لتستوجب بذلك صداقًا، ولعل الصداق مما يقل قدره، ولعلها (مما لا يحلّ) (?) قدرها.
وكان بعض أشياخي يلتفت إلى ما أشرنا إليه من اعتبار ارتفاع قدر المرأة وجلالة منصبها.
واختلف هؤلاء الموجبون لها الصداق هل يقضى لها بذلك بيمين أو بغير يمين؟ وهذا على ما كنا قدمناه مرارًا في شهادة العادة في التداعي: هل تقوم