فيكون الخراج له، لأنه حدث عما يملكه بالحقيقة، والغاصب أخذ منافع ما لا يملكه، ولا يحل له التصرف فيه، فلا يصح أن يقاس على المشتري إذا ردّ بعيب، لما بيناه من الفرق بينهما، مع ذهاب بعض الأصوليين إلى أن العموم إذا خرج على سبب قُصِر العموم عليه، واختص الحكم بالسبب، ولم يتعد إلى غيره. مع أن حديث عائشة رضي الله عنها (لم تنقل القضية التي قضى بها النبي عليه السلام قضى في مثلها هذا) (?).
وهذا أيضًا فيه تنازع بين أهل الأصول. لكن قد روي عن أبي هريرة أنه قال: إن النبي عليه السلام قال: "الخراج بالضمان" ولم يذكر أبو هريرة سبب هذا الحديث عليه (?). فعلى رواية أبي هريرة أيبطل (?) ما اعترضنا به حديث عائشة رضي الله عنها.
وتعويل شيوخنا المحققين، واختيارهم أن الغاصب يرد الغلات في أيّ جنس كان، لأنه، كما وجب عليه ردّ العين، وجب رد منافعها لأجل أن الأعيان لا يملكها على الحقيقة إلا الله تعالى، وإنما تباع وتشترى منافعها، والأعيان لا يصح تملكها، لكن وقعت المعاوضة عنها لأجل أن المنافع لا يصح تناولها إلا من الأعيان، وهذه عهدة قاطعة.
وقول أصحاب أبي حنيفة لا نسلّم أن المنافع مما لا يُتموّل، استدلالًا منهم بأن المال مما يتموّل. وإنما يصح التمول فيما يدخر للحاجة إليه، والمنافع لا يتصور فيها هذا، مع أن المريض له أن يهب منافع نفسه في مرضه فيبني دارًا لإنسان، أو يعمل له منفعة قيمتها تزيد على ثلث ماله.، فلا يُمكّن الورثة من طلبه بشيء من قيمتها.
وكذلك لا مقال للغرماء في هبة منافعه، ولا يباع ذلك عليه إذا فلس.