فاعلم أن سبب الخلاف التعلق بظواهر من القرآن: فمن يجعل الغلة للغاصب يقول قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (?) وهو إذا ردّ العين المغصوبة فلا يكون عليه غرامة لقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (1) وهذا قد أحسن إذا رد العين.
وقال أصحاب المذهب قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} (?) وهذا الغاصب ظالم، فيجب أن يكون عليه سبيل، وهو الغرامة لما ظلم فيه من إتلاف المنافع.
والتعلق بمثل هذا ضعيف، لوجوه لا تكاد تخفى عمّن قرأ أصول الفقه.
لكن اختلاف المذهبين لأجل التعلق بظاهرين وقعا في حديثين عن النبي عليه السلام هو أوْلى ما تُعلِّق به. فمن لم من (?) تغريم الغاصب عرض (2) المنافع التي أتلف قال: هو ضامنٌ الأعيانَ التي وقع بها الانتفاع، وقد قال عليه السلام: "الخراج بالضمان" (?) والغاصب ضامن. والخراج هو الغلة فلا يجب عليه غرامتها على ظاهر هذا الحديث، لأجل ضمانه.
وقد أجاب عن هذا أصحاب المذهب الثاني بأن قالوا: هذا الحديث، وإن كان عمومًا، فقد خرج على سبب، وذلك أن عمر بن عبد العزيز ترافع إليه خصمان في عبد، اشتراه فاغتله المشتري، ثم رده بعيب. فقال عمر بن عبد العزيز: يرد المشتري غلته معه. فقال له مخلد بن حفاف وعروة قالا: إن عائشة قالت: إن النبي عليه السلام قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان.
وهذا، وإن كان اللفظ عامًا، فإنه خرج على سبب، وهو الرد بالعيب، والمشتري مالك لما اشتراه، ومباح له التصرف فيه، وله أن يقبل العبد بعينه (?)