ولو ضمن الغاصب أحد هذين الرجلين مثل ما خلط له، وقال الآخر: أَبْقَى معك شريكًا، ولا أُزَال عن عين مالي، فقد وقع لأشهب أن هذا لا يمكن من الشركة. وظاهر قوله أن ذلك لأجل حق الغاصب ألا يشاركه في المختلط وإنما له بعضه. ووقع في غير هذا الموضع ما يشير إلى أن ذلك ممنوع لحق الله تعالى.
ولو قال أحدهما لصاحبه: أنا أغرم لك مثل ما خلطه الغاصب، وآخذ المختلطَ كلَّه، فإن أشهب قال: لا يجب ذلك في القضاء ولكن بالتراخي (?) يباح لهما. قال يحيى بن عمر: على أنهما لا يفترقان قبل التقابض. ووقع لأشهب في موضع آخر أن ذلك لا يُعلم ولا يَجوز لأن هذا إنما رفع الضمان عن الغاصب أن يأخذ بدل قمحه قمحًا وشعيرًا، ويغرم عن الغاصب لصاحب الشعير الذي أُتلف عليه. فأشار إلى أن للبارى سبحانه في ذلك حقًا. ولا يتصور للبارى سبحانه في ذلك حق عندي، إلا من ناحية الانتقال عن معلوم إلى مجهول، أو من ناحية الوقوع في التفاضل الذي هو ربا محسوس، أو الربا المقدّر في منع نوع بنوع آخر، على ما بسطناه في كتاب السلم، ولعلنا أن نعيد الكلام على هذه المسألة بأبسط من هذا في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى.
ومما يلحق بما نحن فيه، وإن كنا قد تكلمنا عليه في جملة أجملناها: من غصب ثوبًا فصبغه، فإنه إن كان الصباغ إذا غُسل خرج منه ما يَنتفِع به الغاصب، وطلب الغاصب استخراجه، فإنه يمكّن من ذلك، ولكن لرب الثوب أن يدفع إليه قيمة ما يستخرج من الصباغ، ويبقى ذلك في ثوبه، وإذا كان لا منفعة له في ذلك (?). وهكذا قال ابن مسلمة، من أصحابنا، وهو قياس المذهب، ألا ترى قولهم في غاصب غصب أرضًا وبنى فيها بناء: إن لرب الأرض أن يأمره بقلعه، وإن شاء أعطاه قيمة البناء مقلوعًا، بعد أن يحطّ أجر القلع، لئلا يكون الغاصب