ومما استدلوا به أيضًا أن من غصب خيطًا فخاط به جرحَ بهيمة، فإنه يقضى له بالقيمة، ولا يقضى لصاحب الخيط بانتزاعه من الجرح. وقد ناظر محمَّد بن الحسن الشافعيَّ في هذه المسألة، واستدل عليه الشافعي. لما معناه أن غاصب هذا الحجر لو طلب أخذه من صاحبه لحاجة إليه لم يجبر صاحبه على ذلك. فإذا لم يجبر على تسليم ملكه ابتداء فكذلك لا يجبر على تسليمه انتهاء، وهو بعد البناء عليه، بخلاف الجرح فإنه قد يجبر على تسليم خيط يخاط به الجرح لحرمة الحيوان. فكذلك لا يجبر على نزعه انتهاء بعد أن خيَّط به الجرح. وسلم له محمَّد بن الحسن ما قاله في أنه لا يجبر على تسليم الخيط الذي خاط به الجرح. والمتأخرون من أصحاب أبي حنيفة لا يسلمون هذا ونحن نتكلم على ما تعرف منه سبب الخلاف في هذا، وافتراق الأمو الذي تفاوت الحُرَم. ونقرر قبل الخوض في هذا التنبيه على أن من غصب لوْحًا فأدخله في سفينته حتى صار في انْتشائها كجزء من أجزائها، فإن الحكم فيه، من ذكر خلاف ووفاق، كما قدمناه في حكم من غصب خشبة فبنى عليها، فإن مذهبنا ومذهب الشافعي كون صاحب الخشبة المبني عليها يستحق قلعها وكذلك يستحق صاحب هذا اللوح أن يقلعه من السفينة. ولكن حكم هذا اللوح يختص بحكمٍ لا يختص بمثله الحجر والخشبة المبني عليها؛ لأن هدم الحجر والخشبة المبني عليها لا يتعلق به من الإتلاف أكثر من إتلاف بناء الغاصب، وبناء الغاصب لا حرمة له، كما قدمناه، ولكن السفينة قد يؤدي قلع هذا اللوح منها إلى إتلاف ما فيها، وقد يكون فيها حيوان، إنساني أو بهيمي، أو أموال. فإن كان قلع هذا اللوح يمكن من غير إتلاف ما فيها، مثل أن يطلب ذلك رب اللوح، وهو على البر أو شاطى البحر، فإنه يمكّن من قلع اللوح، وإن فسد نطم ألواح السفينة، كما يمكنه من قلع الحجر وإن فسد م ابن ي عليها. وأما إن كانت في لجة البحر، واللوح بموضع منها إن قلع غرقت وغرق ما فيها، فإنه إن كان فيها حيوان آدمي لم يمكن من القلع لكون ذلك إن مكن منه تضمن هلاك من فيها من رجال أو نساء، وكذلك إن كان فيها حيوان بهيمي فإن له حرمة أيضًا