إنما وقع من رب الدار لمنفعة نفسه لا لمنفعة المكتري، فيكون حينئذٍ يجري ذلك مجرى الحمالة المطلقة. وأما لو كان ذلك الاشتراط من المكتري لكانت البداية بالمحال عليه، ولا يختلف في هذا؛ لأن المنفعة ها هنا للمكتري ليقوم عنه بالكراء رجل آخر يسلفه إياه حتى يتيسر له قضاء هذا السلف فيقضيه.
وذكر في المدونة أيضًا ها هنا فيمن أكرى دارًا بدين له على آخر: أن ذلك جائز إذا شرع المكتري في السكنى. وذكر في كتاب بيوع الآجال من المدونة أن ذلك يجوز، قولًا مطلقًالأولم يقيده يكون المكتري يشرع في السكنى. ومنع في كتاب ابن المواز منعًا مطلقًا، والمنع لكون هذه المنافع مضمونة على ربّ الدار، فإذا انهدمت انفسخ الكراء، فصار ذلك لسبب الضمان كشراء دين بدين.
وأمّا القول بالجواز فلأجل أن المنافع لما كانت تُجتنَى من دار معينة كانت كعرض معيّن اشتراه بدين له على آخر. وأما اشتراطه أن يشرع في السكنى فلأن ذلك كالفسخ لدين في دين، وفسخ الدين في الدين لا يجوز فيه التأخير، وإن قلّل من التأخير، ويمنع اشتراط ذلك. وكأن الحمالة كفسخ دين في دين، فلهذا اشترط الشروع في السكنى. وقد أجازوا أن يكتري المكتري دارًا بثمن يكون عليه مؤجلًالأولم يجعلوا هذا كدين بدين كما أجازوا أن يشترى (دين بمعين) (?)، ضمانُه من بائعه جاريةً تُتواضع، أو سلعة غائبة. واختلفوا في شراء دين بثمن يشترط تأخير قبضه الزمنَ القريبَ، كما تقدم بيانه في كتاب البيوع.
وهذه المسائل قد بسطنا كثيرًا منها في كتاب البيوع، وسنبسط إن شاء الله تعالى في كتاب الأكرية ما بقي منها. وإنما ذكرنا ها هنا لذكرها في كتاب الحوالة من المدونة. تم كتاب الحوالة بحمد الله تعالى.