النهي عن إضاعة المال (?). وهذا أيضًا قد يقال فيه: إن له أن يهب ماله لغير ثقة، ولمن يتلفه في اللّذّات المباحة. فإذا كان هذا لا يَحْرُم الإيداع لغير ثقة. لكن الواهب قصد الملك للموهوب له المالُ. ومن ملَّك المالَ مالكُه يفعل فيه ما يشاء من الأمور الباحة. وهذا المودع لماله لم يقصد تمليك ماله المودع، وإنما قصد صيانته، وصيانته في هذا الوجه سبب إضاعته. فنهى عن ذلك لأجل القضيّة الّتي ذكرناها.
وقد منع أصبغ من أتى بلطْخ في جارية، أن يضع قيمتها ويسافر بها ليثبت ملكه لها، ورأى أن ذلك معونة على ما لا يجوز من وطئها. وإن كان في المدوّنة تمكينه من ذلك على الجملة للضّرورة والحاجة إلى صيانة الأموال على أربابها.
والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:
قد تقرر الاتّفاق على أنّ من أسلف رجلًا مالًا فضاع الم الذي يد المستسلف فإنّه ضامن. كما حصل الاتّفاق على أنّ الوديعة غير مضمونة وتستنبط من ذلك علّة الضمان والتّبرية.
فوجدنا الوديعة ملك صاحبها، فكان ضمانها منه. لكون هذه العلّة مركبة عند العلماء من هذا الوصف ومن وصف آخر وهو حصول المنفعة، فإنّ المنتفع بالمال ينبغي أيضًا أن يضمنه، والوديعة لا. منفعة فيها على قابضها على حال.
فاجتمع فيها وصفان يحسنان في نفي الضمان: وهو كون المال غير مملوك للموح ولا منفعة له فيه. كما حصل في القرض وصفان لا يحصل معهما نفي التّضمين، وهو انتقال الملك لِلْمستسلف وانفراده بالمنفعة في السلف. والمنفعة بالسلف (?) تقرّر الأصلين لأحد الرّجلين بالكلّية لا يشاركه الآخر فيها. وقد نبّه القاضي إسماعيل على هذا التّعليل فذكر أنّ الوديعة لا منفعة فيها لمن هي في يديه على حال، فلهذا لم يضمن. قال: وكذلك القراض لأنّ جلّ المنفعة فيه لربّ المال. وكذلك الشّيء المستأجر لا يضمن لأنّ عُظْم منفعته لمن أجره. فكأنّه تحقّق ما أشار إليه تعلّق