وقد ذهب ابن أبي زمنين إلى مناقضة هذه المسألة بمسألة أخرى فقال: قد قال ها هنا: إن الماء لا كراء له. وقال في كتاب الغصب، فيمن غصب بئرًا فسقى بها: إن له حق الماء. فإن كان النهر مملوكًا فلا فرق بين السؤالين. وكره مالك بيع المواجل المحبّسة. وهم سحنون بأن يشق روايا الماء بالقيروان التي كانت تنقل من الماجل المسبل للناس، ثم وقف عن هذا، وقال: إن فيه مرتفقًا للناس. وكان أصحابه لا يشترون الروايا وهي ملأى لئلا يقعوا في كراهية شراء الماء المحبس. ولكنهم يقولون لصاحب الراوية بكم تبيعها؟ فإذا أعلمهم بالثمن وقد فرّغها قالوا له: خذه وانقل لنا ملأها. يقصدون بهذا أن يكون ما دفعوه إجارة لدابته وخدمته فيها واستقاء الماء، فيسلمون من الكراهة، وكأنه في هذا نائب عنهم في استقاء الماء. وهذا تورع منهم، وإلا فإذا كان القصد في شرائها، وهي ملآنة، المُعاوضة عن حمل دوابهم واستقائهم، فإن هذا يعود إلى الأول الذي أجازوه واستخفّوه.
وسنبسط الكلام في هذا المعنى في موضعه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
تم كتاب التجارة بأرض الحرب. والحمد لله.