في البيع، ولا ملك له عليها، فيقدر أنه استثناها. وقد كنا أشرنا إلى هذه النكتة قبل هذا، لما تكلمنا على بيع عبد أو دار، وقد أكراهما بائعهما قبل أن يحوّل رقابهما.
ولو أبو بعض النخل دون بعض لكان الأقل تبعًا للأكثر في حكمه، إذا كان كل واحد منهما متميزًا عن صاحبه. ولو كان هذا مختلطًا لم يجز للبائع استثناؤه لكون استثنائه على العموم يدخل فيه استثناء ما لم يؤبر. وقد ذكر في المدونة حكم بيع لبن شاة أو شياه، فأعلم أن شراء هذه الألبان إما أن يقع على الكيل أو على الجزاف، وفي كلا الوجهين يقع ذلك في عدد قليل كالشاة والشاتين، أو في عدد كثير كالعشرة ونحوها. فأما العقد على لبن شياه كثيرة فإن ذلك يجوز.
ويستوي الحكم فيه بين أن يعقد على الجزاف أو على الكيل، ولكن يجب أن يرفع فيه ما يقتضي الوقوع في الغرر والخطر. ولا يعقد ذلك حتى يعلم من حال اللبن ما يكون الجهل به يتضمن غررًا في المبيع، وذلك بأن يشترط، إذا بيعت على الكيل، كيلًا يعلم أن الغنم تقي به، والزمن لا ينقطع فيه اللبن، فبيعه على الكيل يرفع الجهالة بمقدار المبيع، وبيعه على الجزاف يفتقر فيه إلى المعرفة بقدر الحلاب على الجملة لاختلاف أحوال الغنم في غزارة اللبن وقلته. وإذا كان على الكيل علم المشتري مقدار ما اشتراه. وأما إن كانت الشياه قليلة كالشاتين، فالمذهب على قولين: نهى في المدونة عن شراء ذلك على الجزاف.
وأجازه في الموازية وذلك اختلاف في شهادة بعادة. فمن أجاز رأى أن الغالب بقاء اللبن علي ما اختبر منه المشتري قبل العقد، وتغيُّرُه نادر لا يلتفت إليه.
ومن نهى عنه رأى أن التغيّر في ذلك ربما تكرر تكررًا يوقع الغرر، فنهى عنه، بخلاف أن تكون الشياه التي اشترى لبنها كثيرة، فإن الغرر ها هنا الذي أشرنا إليه يخف، لكون بعضها وإن خف لبنه في بعض الأيام، فإن البعض الآخر ربما غزر لبنه، حتى ينوب هذا عن هذا. ويجري الأمر فيها على ما عرف من ناحية حلابها. وقد أجاز في المدونة أن يكتري بقرة للحرث ويشترط لبنها إذا كان العقد في إبان لبنها. وأشار سحنون إلى إنكار هذا، ونهى عنه لكونه يتضمن