الالتفات إلى الموازنة ما بين منفعة ومضرة، أيهما أولى بأن يقدم على صاحبه.
فصار شراؤه للاحتكار على وجه يضرّ بالناس ولا يتضمن منفعة لهم ممنوعًا، بلا خلاف. وعلى وجه تتقابل فيه منفعة من جهة ومضرة من أخرى، فيه من الاختلاف ما ذكرناه وأسندنا الخلاف فيه إلى الموازنة ما بين الضرر والمنفعة.
وأما إذا كان شراء ما يدخر لا يضر. بأحد من الناس، فإنه إذا كان مما لا تعمّ البلوى بالحاجة إليه، كالبزّ والعطر، فإنه يجوز شراؤه وادخاره بلا خلاف.
وإن كان مما تمس الحاجة إليه، كالأقوات وما في معناها، ففيه قولان، المشهور من المذهب في المدونة وغيرها، جواز شرائه للادخار، واعتبار لحوق الضرر وفي الاحتكار عمومًا في كل المتملكات يمنع شراءَها للادخار.
وارتفاع الضرر عن الناس إذا اشتريت، لكونها لا يغلو سعرها بشرائها، ولا يلحقهم ضرر من ذلك، إنه يجوز أيضًا في سائر المتملكات.
وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، أنهما يمنعان من احتكار الأقوات والعلوفات، كالحبوب والقطاني، وما يلحق بذلك كاللحم والسمن والزبيب (?) والعسل وشبه ذلك. ويذكر أن مالكًا كرهه.
وهذا ليس باختلاف في فقه، وإنما هو اختلاف في شهادة بعادة. لأن ابن حبيب أشار في كتابه بهذا المذهب إلى أن إحتكار الأقوات لا يكون أبدًا إلا مضرًّا بالناس، ونحن قد حكينا أن الضرر. إذا لحق ارتفع الخلاف في المنع من إلادخار. وقد وردت آثار يقتضي عمومها ما قال مطرف وابن الماجشون. فروي أنه عليه السلام: (نهى عن احتكار الطعام). وروي عنه أنه قال: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) (?). وإنه أيضًا قال: (من احتكر طعامًا أربعين يومًا بريء من الله، والله بريء منه) (?). وروي عنه أنه قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) (?).