له التمسك به. وها هنا قد قال - صلى الله عليه وسلم - في المشتري: "إن شاء أمسكها وإن شاء ردّها". والبيع الفاسد لا يقال فيه: إن شاء المشتري أمسكه؛ بل للقاضي ردّه وفسخ عقده. وأيضًا فقد قال في بعض طرق الحديث: "إنه بالخيار بعد ثلاث" والبيع الفاسد يفسخ في الحال ولا يؤخر إلى يوم ولا ثلاث.
وأشار أبو حنيفة إلى رده من ناحية مخالفة الأصول؛ فإن الأصل في المبيع المعيب إذا حدث به نقص يمنع من الرد بالعيب لأجل ما حدث عند المشتري من النقص. وها هنا قد أوجب ردّ الشاة المصراة مع نقصها بالحلاب.
والانفصال عن هذا بأن هذا النقص لا يعرف العيب إلا به. كما لو اشترى ثوبًا مطويًّا فنشره فانتقص بالنشر كَمَادُه؛ فإن هذا لا يمنع من الردّ لكون المشتري لا يعلم العيب إلا باختبار المبيع، واختباره ها هن ابن شر الثوب المطوي.
وكمن اشترى قثاء فكسره فوجده مُرًّا. على ما تقدم ذكره في كتاب العيوب، لما تكلمنا على العيوب الباطنة التي لا تعلم إلا بعد البيع.
وذكر أصحاب أبي حنيفة أيضًا أن الأصل في المتلفات المكيلة القضاء بأمثالها؛ وها هنا لم يردّ اللبن ولا مثلة بلْ ردّ عوضه تَمرًا، وهذا خلاف الأصول.
والانفصال عن هذا ما تقدم من كون هذا شُرع لِرفع النزاع؛ واللبن إذا حلب غُيّر عن الحال الذي كان عليه في الضرع، ونقله إلى حالة أخرى؛ فلهذا لم يُردّ بعينه، ولا ردّ مثله، لكون ما في الضرع مجهولًا، والمجهول إنما تغرم قيمته.
وأشار الطحاوي إلى ثبوت حديث المصراة. ورواه منسوخًا بنهيه عن الدين بالدين. وهذا تعسف في التأويل، في دعوى النسخ بهذا. وإذا كان قد ساهمه في هذه الطريقة أشهب من أصحاب مالك، وأشار إلى كونه منسوخًا بقوله عليه السلام: "الخراج بالضمان". وهو الذي أشار إليه أشهب في المدونة وغيرها، وضعّف حديث المصراة من أجله، وذكر أن مالكًا ضعفه، وهكذا قال ابن شعبان في مختصره: إن حديث المصراة ليس في الموطأ، ولا بالثابت.