محتمل وبالجملة فإنه إذا لم يفعل البائع فعلًا محرمًا عليه، ولا غرر بالمشتري، ولا قصد التدليس عليه، وعوّل المشتري على أمر محتمل حتى يكون مدعيًا في ماظن، فإنه لا مقال له.
ولو ثبت أنه عوّل على أمر تقتضيه العوائد، وهو الذي يعتقد فيه هو وغيره من الناس، فكشف الغيب أن الأمر خلاف ما عقد عليه، وتحقق أنه لو كُشِف الباطن ما دخل عليه هو ولا غيره من الناس، فإنه إنّما عقد على المعتاد، فإن هذا مما يوجب له مقالًا، على تفاصيل تعلم مما تقدم في غير هذا الكتاب من أحكام البيوع والعيوب وغير ذلك.
هذا عمدة أبي حنيفة والانفصال عنها ..
وأما دليلنا عليه، وهو الحديث الصحيح الذي قدمناه، فإنهم يجيبون عنه بطريقين، أحدهما الطعن في النقل. والثاني مخالفة الأصول.
فأما الطعن في النقل، فإن بعضهم تجاسر، وقال بالتوقيف (?) في حديث أبي هريرة. ونسب ذلك إلى إبراهيم النخعي. وهذا تجاسر عظيم على صاحب مشهور من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عنه خلق من أبناء المهاجرين والأنصار، وروى عنه الأئمة من الفقهاء والمحدثين. وقد قال أبو العباس بن سريج مستعظمًا لهذا الطعن: مثل من قال هذا كمن رأى في ثوبه نجاسة فغسلها بالبول. لأن الطاعن بهذا لما عدل (?) على ردّ حديث وحكم نص النبي - صلى الله عليه وسلم - طعن في راوي الحديث من الصحابة رضي الله عنهم. وقد رأيت أبا زيد الدبوسي، وهو من حذاق أصحاب أبي حنيفة، تلطف في هذا الطعن، وقال: أحاديث أبي هريرة تردّ بالقياس الصحيح.
وهذا الذي أشار إليه من تقدمة القياس على خبر الواحد مسألة مشهورة في أصول الفقه، ذكرنا حكمها في كتابنا المترجم بـ"كشف المحصول من برهان