وذكر ابن القصار من أصحابنا هذا المذهب عن أبي حنيفة، وقال: إنّ أصحابنا والشافعية يحكون عن أصحابه أنهم ينكرون هذا. وهكذا ذكر أبو حامد أن أصحابه ينكرونه. والذي حكيناه عنه هو الذي وقفت عليه في نقل المتأخرين من حذاق أصحابه، ويذكرون أن أبا يوسف خالفه وذهب إلى أن للمشتري في ذلك مقالًا؛ وأن محمدًا بن الحسن أحدَ أصحابه موافقُه على هذا المذهب الذي حكيناه عنه.
أن يقال: إذا تقرّر تحريم بيع المصراة، فإنه إذا وقع لم يفسد العقد، وإن كان منهيًّا عنه؛ لأنه عليه السلام قال: "إذا رضيها أمسكها"، والعقد الفاسد ليس للمشتري أن يتمسك به. فإن قيل: فإنه منهي عنه، والنهي يدلّ على فساد المنهى عنه. فمثل هذا ما (?) اختلف فيه أهل الأصول. فمن قال منهم: إن النهي لا يدل على فساد المنهى عنه، قولًا مطلقًا؛ فلا يلزمه أن يُفسِد بيع التصرية.
ومن قال: إنه يدل على فساد المنهى عنه، فإنه يقول: إن هذا النهي لا يدلّ على الفساد. فإن قيل: قد قال القزويني من أصحاب مالك، وابن الجهم في بيع النجش: إنه يفسخ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. والنهي عن النجش لحق المخلوقين.
قيل: إن هذا إنما يقال على مقتضي ما يوجبه الدليل على الجملة، عند من ذهب إلى أن النهي يدلّ على فساد المنهي عنه على الإطلاق، ما لم يقم على إمضاء البيع دليل، وها هنا قد قام على إمضائه دليل، وهو ما قارن النهي عنه من إمضائه إذا اختار المشتري التمسك بالمصراة، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - "فإن رضيها أمسكها".
والجواب عن السؤال الرابع أن يقال:
إذا تقرر النهي عن التصرية فإن ذلك إذا وقع وبيعت المصراة، فقد اختلف الناس في ذلك.