وقد أشار بعض الأشياخ إلى أن ظاهر المدوّنة لا يقع بذلك التّجريح لأنه ذكر فيها قبول شهادة التجّار المسلمين إذا شهدوا بما عاينوه فيها. وظاهر قبول الشهادة يقتضي نفي التّحريم.
لكنّ هذا الذي تعلّقوا به في المدوّنة فيه احتمال، لأنه لم يذكر على أيّ صفة دخل هؤلاء التجّار، هل قاصدون لأجل الدّنيا، أو رجعوا إليها بحكم غلبة الرّيح عليهم، أو لمعنى ألجأهم إليه يشبه هذا، مع إمكان أيضًا أن يكونوا جهلوا التحريم، أو قلّدوا من ذهب إلى نفي التحريم. وقد قال أبو الحسن والأوزاعي فيمن سافر إلى بلد الحرب لتجارة: إنّه. فاسق. وهذا كالنصّ على التحريم والتنبيه على تأكده بتفسيق فاعله.
وقد علّل مالك النّهي عن هذا السفر يكون أحكام أهل الكفر تجري على المسلم المسافر إليهم.
وهذه الأحكام التي أشار إليها، رضي الله عنه، تتنوع تنوّعًا يقتضي اختلاف طبقات النهي عن السّفر إليها.
فلو كان المسلم يجرون عليه من الأحكام أن يجبروه على السّجود للأصنام، وإظهار كلمة الكفر أو سبّ الرسل، فإنّ هذا يتأكد تحريم السّفر معه.
وإن كانوا لا يحملونه على شيء يخالف دينه، لكنّهم يوقعون به من الإذلال والهونة (?) ما فيه إعزاز لهم وإهانة للإسلام، فإنّ هذا أيضًا يوجب المنع.
وإن كان يسلَم من جميع ذلك، وإنّما يناله كونه تحت قبضتهم لو حاولوا إهانته لم يقدر على الامتناع، أو يأخذون منه مالًا لتجارته عندهم، فإن هذا أخفّ مِمّا قدّمناه. ولعلّ من أنكر التحريم يشترط في السّفر إليهم أن يكون على هذا الوجه.