كدار تباع أو عبد كبير يباع، فإنّ ذلك مِمّا ينتفع به في الحال والمآل، وما لا ينتفع به في الحال كطفل رضيع يباع، فإنّه ينتفع به في المآل دون الحال، فإنّ البيع فيه لا يجوز لعدم المنفعة أيضًا. ولهذا قال أشهب في هذه المسألة: إنّما يجوز البيع إذا كان مشتري هذا الممرّ يتوصّل به إلى ما ينتفع به، كأرض له يصل لينتفع بها من هذا الممرّ.
وهذا الذي قاله تأويل لا بد من حمل ما في المدوّنة عليه. لأنّه إذا كان يشتري خطوات يخطوها في دار إنسان ذاهبًا وراجعًا لا يتوصّل بها إلى ما ينتفع به في الحال، أو يعلم أنّه سيكون في الماَل، فإنّ هذا من إضاعة المال. وإذا كان يتوصّل بذلك إلى ما ينتفع به في المآل، وكان هذا شرطًا في صحّة هذا البيع، فإنّه لو استحق هذا المنتفَع به الذي اشتُرِي الممرُّ إليه، فإنّ البيع في الممرّ يبطل، لكون استحقاق هذا يشعر بأنّ المبيع عقد على أمر لا منفعة فيه، وذلك من إضاعة المال. وقصارى ما في هذا الجهل بشرط صيغة هذا البيع، أو اعتقاد حصوله، فكشف الغيب أنّ هذا الاعتقاد باطل، فينقل الحكم في هذا إلى أصله، وهو كون المشتري أضاع ماله، كمشتري أرض بها زرع لم يبد صلاحه فإنَّ ذلك جائز. فلو استحقّت الأرض لبطل البيع في الزّرع، لكون جوازه من شرطه كونه تبعًا للأرض، فإذا كشف الغيب أنّ العقد إنّما وقع على مجرّده انتقل الحكم إلى أصله في منع بيع الزّرع قبل أن يبدوَ صلاحه.
وقد ذكر في هذا الكتاب في المدوّنة فيمن باع عمودًا عليه بناء للبائع: أنّ ذلك جائز. والذي ذكره من جواز هذا يفتقر إلى شرطين: أحدهما أن يكون هذا البيع لا يتضمّن إضاعة مال وفساده، مثل أن يكون البناء الذي على العمود كثير مقداره، كثير ثمنه بحيث يعلم أن هدمه وإفساده والعوض عن هذا ثمن نزر يأخذه في العمود لا يفعله إلاّ السفهاء ومن لا ميز له ولا يحسن تدبير المال.
فإذا كان الأمر خارجًا عن هذا الغرض، صحيحًا، يراه العقلاء الرشداء من حسن النظر جاز هذا البيع. والشرط الثاني: أن يكون يؤمَن على العمود إذا قلع ونقل عن مكانه من فساده وكسرهِ، فإنّه إذا لم يؤمن من ذلك عليه صارت المعاوضة