من كون ثمن السّلعة الغائبة إذا عجل كان قرضًا هو البخاري على ما كنّا قدّمناه في بيوع الآجال من كون الدّين المعجّل قبل أجله يُعدّ سلفًا من معجّله على حسب ما ذكرناه في مسألة الفرس والحمار المذكورة في المدوّنة. وذكرنا الاختلاف في هذا الأصل في المذهب، وأنّه قد قيل: لا يعد التعجيل سلفًا لما نبّهنا عليه مِمّا يؤدي هذا المذهب إليه.
والجواب عن السّؤال الخامس أن يقال:
من اشترى سلعة غائبة فإنّه يجوز. له أن يبيعها بمثل ما اشتراها به أو بخلافه. ولكن يجري من اشترى منه حكمه هو في منع اشتراط النّقد إلى غير ذلك من الأحكام التي ذكرناها. وقد ذكر في المدوّنة فيمن اكترى دارًا بثوب في بيته وصفه، ثم أراد شراءه مِمّن اشتراه منه، وهو في يديه، ثم تَصيَّر إلى من باعه منه، أن ذلك جائز إذا علم أنّ هذا الثوب موجود حين الصفقة الثانية. وقد تضمّن هذا السؤال جواز بيع السّلعة الحاضرة على الصّفة، إذا كانت بالبلد الذي به المتعاقدان. وقد ذكرنا فيما تقدّم الاختلاف في هذا.
وممّا يسئل عنه ها هنا أن يقال، لم اشترط في هذا الجواب العلم يكون الثوب موجودًا حين الصفقة الثانية؟ وقد أجاب عن هذا بعض المتأخرين بأنّه إذا علم موجودًا حين الصفقة الثانية تيقّنًا أنّه ثمن للمنافع الّتي اشتراها بهذا الثّوب.
فإذا وقع في المنافع ما يوجب الاستحقاق ليعضها كان الرّجوع في الثّوب لأنّ ما وقع بعده صفقة ثانية لا تعلق لها بالأولى. وإذا لم يعلم ذلك صار الثمن للمنافع مجهولًا لا يعلم هل هو ثوب أو قيمة إن. لم يكن موجودًا حين الصفقة الثانية ولزم بائعه قيمته. وقد بسط بعضهم هذا فقال: إنّ بائع هذا الثوب على الصّفة بمنافع دار، لو ادّعى ضياعه لم يقبل ذلك منه إلاّ بعد يمينه على ضياعه، فإن نكل عن هذه اليمين كان مشتري هذا الثوب منه مخيّرًا بين أن يفسخ هذا العقد لكون بائع الثوب كالمانع من تسليمه ويغرّمه قيمته، فقد صار عامله في هذه المعاملة الثانية ولا يدري هل ينكل فيكون مخيّرًا بين فسخ البيع أو غرامة