الغائبة جائز، على حسب ما قلناه، دنانير كان أو غيرها، من مكيل أو موزون أو عرض موصوف في الذمّة. ولا يتصوّر فيه أنّ هذا الثمن إذا كان عرضًا في الذمّة إلى أجل صار رأس المال فيه السّلعة الغائبة الّتي تأخّر قبضها، وتأخير رأس مال السلم لا يجوز، لأن السّلعة الغائبة لمّا كانت معينة ليست بدين في الذمّة، ولا يقدر على تعجيلها، لم يتهّم العاقدان على أنّهما أخذا عوضًا عن ضمان، كما يتصوّر ذلك فيمن باع سلعة معيّنة بشرط ألّا يقبضها المشتري إلاّ إلى أمد بعيد، لأنّ قبض هذه بفور العقد يجوز ويسوّغه الشرع، فعدولهما عن تعجيل ما يقْدِران على تعجيله ويسوغّ الشّرع تعجيله، قصدٌ إلى التزام البائع ضمان السّلعة إلى أجل بزيادة زادها في الثّمن، وذلك لا يجوز كما قدّمناه في مواضعه. وقد ذكر في المدوّنة فيمن اكترى دارًا سنة بسلعة غائبة أنّ ذلك جائز، على ما قلنا، لكون السّلعة الغائبة معينة والمنافع كثمن لها مؤجّل، فلا يمنع من ذلك. لكن اختلف المتأخرون في مبتدإ هذه السّنة هل يحسب ذلك من يوم العقد لِهذا البيع، أو من يوم القبض للسّلعة الغائبة؟ فمن ذهب إلى أنّه يحسب من يوم العقد أعطى اللّفظ حقّه وأجراه مجرى كراء الدّار بسلعة حاضعرة سنة كاملة، فإنه يكون مبتدأ السّنة من وقت العقد، فكذلك هذا. لكنّهما يفترقان من جهة أخرى فإنّه منع في المدوّنة في. هذه السّلعة أن يشترط الشروع. في السكن حين العقد، لأنّ اشتراطه ذلك اشتراط النقد عن سلعة غائبة، وقد قدّمنا أنّ ذلك لا يجوز، فيعتبر مقدار المسافة عند هؤلاء، فإن كانت شهرأوقف مكتري الدّار عن سكناها شهرًا، انتظارًا لقبض السّلعة، فكان ذلك ساقطًا من العقد، وكأنه إنّما اكترى الدّار أحد عشر شهرًا، وعبر عن ذلك سنة لمّا كان ربّ الدّار ممنوعًا من سكناها سنة كاملة، فاستسهل في ذلك العبارة عن كون الدّار اكتريت سنة كاملة.
فإن عاق عائق عن قبض السّلعة الغائبة بعد ذهاب أمد المسافة الّتي يصل بها إلى قبض السّلعة صار ذلك كاستحقاق طرأ أو انهدام فيكون الزائد على قدر المسافة خارجًا عمّا دخلا عليه، فيجري على حكم الاستحقاق فيرجع مكتري الدّار بالسّلعة الغائبة شريكًا في عينها بمقدار هذه الزيادة على أمَد المسافة، أو