غائبة على أن يوصلها البائع إلى بلد العقد أو بلد غيره، لكون قبضها ونقلها ليس بواجب على البائع، وإنّما عليه التّمكين. فإذا قبضها البائع ونقلها بأمر المشتري صارت يده كيَد المسْتري فكأنّ العقد وقع بشرط ضمان البائع لمَا قبضه المشتري، وهذا لا يجوز إلاّ أن يكون ضمانهما ساقطًا عن البائع في مسافة نقلها وإنما اشترط عليه حملها فيكون ذلك كبيع وإجارة فيجوز على المشهور من المذهب في جواز اشتمال عقد واحد على بيع وإجارة.
والجواب عن السؤال الرّابع أن يقال:
إذا اختلف المتبايعان في سلعة غائبة، من وجودها حين العقد، أو قِدَم عيب ظهر بها، فإن اختلافهما في كونها موجودة حين العقد أو معدومة ذكر في المدوّنة أن على البائع إثبات كونها موجودة حين العقد، وأن هذا هو الحكم على القولين جميعًا في كون ضمان المبيع الغائب، إذا كان موجودًا حين العقد، من البائع أو من المشتري.
ولا تتصوّر فائدة الخلاف ها هنا إلاّ على القول أنّ ضمان الغائب من المشتري. وأمّا على القول بأنّ ضمانه من البائع حتى يصادفه المشتري حين القبض فلا ثمرة لاختلافهما إذا خرج المشتري إليه فلم يجده. وإنما يكون للخلاف ثمرة على القول أنّ الضّمان من المشتري فيزعم البائع أن هلاك المبيع كان بعد العقد فيضمّنه المشتري، ويزعم المشتري أنّه لم يكن موجودًا حين العقد فيكون الثمن غير لازم له، لكون البيع لم ينعقد. فإنّما أشار بقوله: على القولين جميعًا، احتياط أن يظنّ ظان أن هذا يكون له ثمرة على كل واحد من قولي مالك في ضمان السلعة الغائبة.
وهذا الذي ذكره من إثبات كونه موجودًا حين العمّد مبني على إحدى الطريقتين في استصحاب الحال اللاّحقة أو السّابقة. فإذا كانت السّلعة الغائبة حين حاول المشتري قبضها لمّا خرج إليها، فكأنّها لم تزل معدومة استصحابًا لهذا الحال الحاصل الآن، فيكون على البائع إثبات كونها عند العقد موجودة، لا سيّما أنّ المشتري لا يتحقّق كون البيع منعقدًا، لأنّ من شرطه أن يصادف