وأمّا بيع عين غائبة على مسافة مفرطة في البعد جدًّا حتى يكون العقد على تلك العين التي في أقطار بعيدة لا يكاد أن يحصل منها وتعرف حقيقتها فإن (?) لا يجوز.
وأمّا ما قصر عن ذلك وارتفع عن القرب القريب الذي ذكره ابن شعبان فإن عندنا جواز البيع على الصفة. ويجب أن تذكر الصفات المقصودة التي تختلف الأغراض فيها والأثمان باختلافها، لأنّ ذكره ما سوى هذا من الأوصاف لا يرفع الغرر، لأنّ المشتري يجوز أن يكون ما لم يوسف له من أوصافها جيّدًا ويجوز أن يكون رديًا، والعقد على التزام ذلك على أيّ حال كان من هذا غرر وخطر، فإذا استوفى ذكر الأوصاف التي تختلف الأغراض فيها فقد اجتهد في رفع الغرر، لكن هذا وإن بالغ فيه فإن للمشاهدة زيادة في الاستحسان والاستقباح وتقوية الأغراض وضعفها، على ما علم من جهة الوصف والخبر. لكن لأجل هذا التقصير الذي وقع عن المعاينة اختلف النّاس في هذا البيع هل يجوز أم لا؟ فذهب الشّافعي في أحد قوليه إلى منع جوازه. وذهب أبو حنيفة إلى جوازه ونَفَى لزومه، وجعل المشتري الذي إنّما علم حقيقة المبيع من الوصف له الخيار إذا رآه.
وأنت قد علمت أنّ للبيع أوصافًا وأحكامًا، فمن أوصافه الجواز والمنع، ومن أحكامه اللّزوم والانعقاد والخيار، فسلبه الشافعي ها هنا في أحد قوليه الجواز والصحّة. ولا شكّ أنّ ما انتفى عنه الصحّة والجواز انتفى عنه اللّزوم.
فالوصفان جميعًا قد سلبا عنه عند الشافعي في أحد قوليه. وذهب مالك إلى ثبوت الوصفين جميعًا لهذا البيع وهما الصحّة والجواز واللّزوم، فإذا عقد هذا البيع ووجد المبيع على الصفة المشترطة لزم المشتريَ البيعُ.
وذهب أبو حنيفة إلى نفي أحد الوصفين عنه، وهو اللّزوم والانعقاد، وأثبت الصحّة والجواز، وجعل للمشتري الخيار إذا رآه، وقد عقد على الصفة، ووجد المبيع على الصفة المشترطة. لكنّ أبا حنيفة توسّع في هذا، وذهب إلى أنّه يجوز العقد في هذا على الجملة وإن لم يذكر الجنس والنّوع، بشرط أن يشار