فينظر فيما يدعيه من الإذن له في البيع بعوض هل يشبه ويليق؟ فيجري الأمر على ما قدمناه، أولًا يشبه في العادة فلا يصدق، ويصدق الآمر.
على هذا الأسلوب أيضًا يجري الأمر في الاختلاف فيمن وكل رجلًا بأن يشتري له قمحًا بدنانير، فاشترى له تمرًا، وقال: بذلك أمرتَني. فإنه قد اختلف قول مالك في هذا. فذكر أبو الفرج: أن أشهب روى عنه: أن القول قول الآمر.
وبهذا المذهب أخذ أشهب. وروى ابن نافع عن مالك: أن القول قول الوكيل. وبه أخذ ابن نافع. وفي المدونة: أن القول قول الوكيل. واعتُل بأن الذهب استهلك بدفع الوكيل له، فأشبه ذوات السلعة.
وقد ذكر ابن المواز في هذا تفصيلًا فقال: القول قول الآمر إذا كانت السلعة قائمة لم تفت، وعُلم أن الثمن من مال الموكل ببينة أو بإقرار قابضه الذي هو بائع السلعة. فأما إن فاتت أو لم يُعرف أن الذهب للموكل فإن القول قول الوكيل.
وعاب الشيخ أبو إسحاق هذا التفصيل. ورأى أن مقتضى النظر تصديق الأمر على الإطلاق. أو تصديق المأمور. واعتل بأن الدنانير إذا عرف أنها للاَمر، وأخذها بثبوت كونها له، فإن الوكيل يلزمه غرامتها للبائع، فمن اشترى سلعة بدنانير فاستحقت الدنانير، فإن على المشتري خلفها, ولا ينفسخ البيع.
فإذا توجه على الوكيل غرامة إذا عرفت بعينها فيجب أن يصدق لينفي عن نفسه هذه الغرامة كما صدق في فوت السلعة لما يتوجه عليه من غرامة في فوتها. ثم جنح إلى اعتذار عن ابن المواز: يكون السلعة إذا فاتت، وتوجهت غرامة على الوكيل فإنه يصدق. فإذاكانت السلعة قائمة وتوجهت عليه غرامة فإن الوكيل يتعوض وما غرم السلعة التي بقيت في يديه لما لم يصدق على الموكل.
وإذا كانت السلعة قد فاتت وألزمناه الغرامة لم يبق في يديه عوض عنها.
فلهذا افترق الحكم بين كون السلعة قائمة فتتوجّه على الوكيل غرامة وعنده عوضها، فكأنه لم يغرمه وبين كونها فائتة إذا غُرِّم ولم يكن عنده عوض عن الغرامة.