لثقته بأمانته واجتهاده، فليس له أن يجعل ذلك إلى غيره ممن لم يرض به رب المال. كما لم يكن له هو متصرف إلا بإذن رب المال. لكن لو كان الوكيل وُكّل على أمر يُعْلم أنه لا يتولاه مثلُه لكونه شريفًا والعمل خسيسًا.
أو كونه لا ينهض بمثله، والموكّل له عالم بذلك، فإنه يباح له التوكيل.
ويحل علم رب المال بهذه الحال التي عليها الوكيل محل النطق بإذنه في أن يوكل غيره فيما لا يليق به أن يتولاه من الأعمال أو فيما يتاح إلى الاستعانة فيه بآخر.
وإذا أذن له في أن يوكل غيره ففعل ثم مات الوكيل الأول، فإن الأظهر أن الوكيل الثاني لا يعزل بموت الوكيل الأول، بخلاف انعزال الوكيل الأول بموت من وكله. لأن الوكيل الأول إذا وكل رجلًا بإذن رب المال، فكأن رب المال وكله وناب عنه هذا. فيكون توكيل الأول كتوكيل رب المال. كما يكون تصرف الوكيل لازمًا لرب المال تصرف رب المال نفسه. وقد ذكر أبو حامد الاسفرائيني أنه لا ينعزل، إذا قال رب المال لوكيله: وكل وكيلًا يكون من قبَلي. وأما إن قال له: وكل وكيلًا يكون من قِبلك، فذكر أن عندهم فيه اختلافًا، هل ينعزل الوكيل الثاني بموت الأول لمّا كان من قبله، وقد مات من هو من قِبَلِه، فأشبه انعزال الوكيل الأول بموت رب المال ولا ينعزل الثاني لكون رب المال حيًا، وهو الآمر لوكيله بأن يوكل. ويكون قوله: وكل من يكون من قِبلك، متضمّنًا أنه من قِبلي. وقد كنا قدمنا الكلام على قول رجل لوكيله: أقِرَّ عني بألف دينار لفلان، هل يكون هذا الأمر كأن الموكل ينطق به وأقر بالألف أم لا؟
قال القاضي أبو محمَّد رضي الله عنه: والوكيل مؤتمن ما بينه وبين موكله، والقول قوله في ردّ ما أودعه وأمره بالتصرف فيه أو قبضه (?) له من ديون قبضها له، ثبت قبضه لها ببينة، فادعى تسليمها الموكل، أو ضياعها. فإن لم يكن إلا إقراره (?) للغريم فلا يبرأ إلا ببينة على دفع ذلك للوكيل.