بخس لا يتغابن الناس بمثله.
فأما أبو حنيفة فإنه اعتمد على وجوب الأخذ بالعموم في لفظ الموكل، كما يجب الأخذ بالعموم في لفظ صاحب. الشرع لكونه مخاطبًا لأمته. واللغة تقتضي حمل اللفظ على العموم، عند من صار إلى ذلك من أهل الأصول.
وكذلك يجب حمل التخاطب منا على العموم. وإذا لم يقيد الموكل الوكالة بثمن بين الأثمان ولا حدّه بمقدار، ولا وصفه بالحلول، اقتضى ذلك إباحة عقد البيع على أي صفة شاء الوكيل. لأن من باع بثمن مؤجِّلًا سُمي عقده بيعًا.
وكذلك من باع بثمن بخس فإن عقده يسمى بيعًا. وكذلك إذا باع بعرض فإنه يسمى ذلك بيعًا. فكل ما يسمى بيعًا دخل في عموم الوكالة. ولما كان للموكل أن يبيع سلعته كيف شاء فكذلك للوكيل أن يبيعها، بمقتضى عموم اللفظ، كيف شاء مما يسمى بيعًا. ولهذا منعناه أن يهبها، وإن كان جائز للموكل أن يهبها، لأنه إنما وكل على ما يسمى بيعًا، والهبة لا تسمى بيعًا.
وقد اعتمد أصحابنا في الرد عليه إذا باع بثمن بخس فإنه واهب لبعض السلعة التي وكل عليها، والهبة ليست إليه، كما لو وهب الوكيل جميع السلعة.
فإن من باع ما قيمته مائة دينار بعشرين دينارًا، فإنه واهب لأربعة أخماس السلعة، وليس للوكيل أن يهب.
وينفصل أبو حنيفة عن هذا بأنه يسمى هذا بيعًا، وإن كان بثمن بخس، لأن حقيقة البيع نقل الملك بعوض، وها هنا انتقل بعوض. فلا مبالاة بالعوض كان قليلًا أو كثيرًا, لأن التسمية معلقة بحصوله، لا بمقداره ولا بجنسه ولا بنسيئته. والمريض إذا باع بمحاباة فإن محاباته إنما كانت في الثلث، وإن كان له أن يبيع، لأجل تعلق حق الورثة بماله، وليس له أن يضرهم. وكذلك الأب والوصي ليس لهما أن يبيعا مال من في ولائهما ببخس, لأن الشرع إنما ملكهما البيع عليه بشرط إحسان النظر، فإذا أساءا فيه صارا معزولين عن هذا الفعل.
كما لو قيّد الموكِّل الثمن، فإن الوكيل ليس له مخالفة ذلك،