شرح التلقين (صفحة 2047)

فيجب ألا يصدق الوكيل.

ومن المتأخرين من أنكر هذا التأويل، ورأى أن ظاهر المدونة تصديق الوكيل ولو قبض الطعام.

وهكذا، أيضًا، يتأول بعض الأشياخ مسألة الكتاب على أن الوكيل لم يُعلم المسلم إليه بأنه وكيل، أو أعلمه بذلك إعلامًا لا يبرئه من المطالبة بالثمن.

فإذا كان من حق البائع مطالبة الوكيل بالثمن في ذمته صار الوكيل بدفعه الثمن للبائع غير بريء الذمة، والثمن باق عليه، وهو مطلوب به من جهة موكله. فإذا تصورت المطالبة عليه بالثمن أشعر ذلك بأن وكالته لم تنقطع، فصدق على الآمر الذي وكله، حتى لو عقد هذا السلم على وجه لا تكون عليه مطالبة بالثمن في ذمته، مثل أن يقول المسلم إليه: هذه الدراهم لفلان، أمرني أن ندفعها إليك في طعام. فإنه يجب ها هنا ألاّ يصدق الوكيل على الموكل، لكونه غير مطالب بالبدل ولا الثمن في ذمته. فوكالته انقطعت بنفس دفع هذه الدراهم الزيوف، فلا يصدق على موكله.

وهذا كله تخريج على قاعدة أشرنا إليها. وذلك أن الوكيل إذا فرغ مما وكّل عليه وانعزل صار إقراره على موكله كإقرار رجل أجنبي لا علاقة بينه وبين هذا الموكل. وإذا كانت وكالته لم تنقض وائتمنه على ما يفعل ويعقد (ما يفعله) (?)، وعقده يقع على وجوه، فقد ائتمنه على الوجه الذي يوقعه منها فوجب تصديقه.

فمن تأوّل مسألة المدونة على أن الطعام لم يقبض إنما أراد بهذا التأويل إثبات علاقة بقيت من الوكالة توجب تصديق الوكيل.

ومن اعتبر ما قلناه من كون الثمن يتعلق بذمة الوكيل إنما اعتبر أيضًا، بقاء علاقة من الوكالة توجب تصديقه، مع كون الموكل ائتمنه على ما يفعل فصار بذلك كالمصدق له فيما يذكره من الوجه الذي أوقع الفعل عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015